ردٌّ غيره على تردّ مثله

   صدق من قال:

 ليس كل ما حجب عن النظر يُنكر، و لا كل موجب يقال، فالحق أسعد و أشقى برحمة وعدل و حكمة، و الحبيب أظهر وخص لأمر وعلة.. إيماننا هذا لبه إيمان بالغيب، فليس كل شيء يدرك بالبحث و التدقيق، ولكن كل شيء يدرك بالنية والتصديق، و في قول الحق سبحانه: وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ
(الأنعام).. و قوله تعالى في الأعراف : قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا
بَطَنَ
.. دليل على أن الفواحش منها ما يتعلق بالظاهر و منها ما يتعلق بالباطن..

   و عليه تكون معالجة كل حسب أصله و جنسه بما هو ظاهر لما ظهر و ما هو باطن لما بطن من الفسوق والعصيان، و هذا معنى قول الشاذلي: من لم يؤمن بطريقنا هذا مات إن شاء على الكبائر..


   فكبائر الظاهر مادية، كالعقوق والقتل و الزنى و الخمر و السرقة... و حكمه المنع الفعلي الظاهري عن الفعل المتعلق بما ظهر من الجوارح.. و أما الكبائر الباطنة فحسية وقلبية، كعدم الإخلاص أو عدم الرضى بأمر الله أو التسليم لحكم الله أو محبة ما أمر به الله أو كراهية ما نهى الله عنه أو التلذذ بالخير و التألم للشر، أو الرياء أو السمعة أو حب الرياسة أو الخوض في السياسة...

   فهذه أمور مردها إلى القلب، و القلب لا سيطرة لصاحبه عليه، و أمره مُرجع إلى الله، إذن تجب فيها طاعة باطنة..  وهذا إنما يدل على أن هناك سلوك باطن و سير باطن و علم باطن و فقه باطن، توفق إليه بفضل العليم الحكيم من أراد الله له التفقه في الدين، و طُمس عنه من ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .


   فإذا كان العلم الظاهر يدرك بالبحث و التدقيق.. فإن العلم الباطن يدرك بالنية و التصديق.. و اتباع السنة على النهج الحقيق.. فالأول يسمى العلم المكسوب.. و أما الثاني فيسمى العلم الموهوب.. و شتان بينهما ولا غنى للمؤمن عنهما..

   لا نقف في ما فيه وقفوا، و لا ننظر إلى ما فيه تلفوا و أتلفوا.. و إنما الإشارة لأبنائنا واجبة ليتنبهوا لهذا الخطر الجسيم الذي نبه إليه المصطفى الكريم.. قال صلى الله عليه و سلم: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا،و لكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون الناس فيفتونبرأيهم فيضلون ويُضلون..

   العلماء بالله انقبضوا بعلمهم على غير أهله، لأنهم سمعوا وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا رأيت هوى متبع و شحا مطاعا و دنيامؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك..

   فسمعوا وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم فآثروا الخفاء لمرضاة الله في ذلك، مع أنه لا بد أن يكون منهم أئمة ظاهرون قائمون بالحجة، سالكون للمحجة لقوله صلى الله عليه و سلم: لا تزال طائفة منأمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم إلى قيام الساعة.. و فساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم و لا بنقص إمدادهم.. و لكن إذا فسد الوقت كان من الله سبحانه و تعالى وقوع إخفائهم مع وجود بقائهم، فإذا كان أهل الزمن معرضون عن الله تعالى، موثرون لما سوى الله تعالى، لا تنجح فيهم الموعظة، و لا تميلهم إلى الله تعالى التذكرة.. لم يكونوا أهلا لظهور أولياء الله فيهم، و لذا قالوا إن أولياء الله عرائس، و لا يرى العرائس المجرمون.. و قال سيدنا الحسين بن مكرم الوجه سيدنا علي رضي الله عنهما: لاتؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم..

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: : إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا العلماء باللهتعالى، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله عز و جل ..

   جنحت إلى هذا لا أقول ردا على هذه الفرق المارقة، التي ما فتئت في كل مرة تفاجئنا بنوع جديد من الفساد كما عهدناهم، ولكن كلما أراد أحدهم رضى أسياده أو التقرب منهم تطاول على أهل التصوف و العلماء بالله..

   أما في ما يدعونه جهادا في سبيل الله و نصرة لدين الله كما جاء قول أولهم في أول رسالة أرسلها إلى دول المغرب العربي:

   (فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا و بين الناس... و هو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه، بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله و سنة رسوله و إجماع السلف الصالح من الأئمة .. فمن لا يجيب الدعوة بالحجة و البيان دعوناه بالسيف والسنان)..

فنجيبه بما أجاب واحد منا :

 (و قد أنبأتنا في هذا الكتاب، و أعربت في طي الخطاب، عن عقائد المبتدعة، الزائغين عن السنة المتبعة، الراكبين مراكب الاعتساف، الراغبين في جمع الكلمة و الائتلاف، فالنصيحة النصيحة، أن تنزع لباس العقائد الفاسدة، و تتسربل العقائد الصحيحة، وترجع إلى الله و تؤمن بلقاه، و لا تكفر أحدا بذنب اجتباه، فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله .. و زبدة الجواب، و فذلكة الحساب، أنك إن قفوت يا أخا العرب نصحك، و أسوت بالتوبة جرحك، و أدملت بالإنابة قرحك، فمرحبا بأخي الصلاح، و حيَّهـلا بالمؤازر على الطاعة و النجاح، و جمع الكلمة و السماح .. و إن أطلت في لج الغواية سبحك، و شيدت في الفتنة صرحك، و اختلت عارض رمحك، فإن بني عمك فيهم رماح، و ما منهم إلا من يتقلد الصفاح، و يجيل في الحرب فائز القداح .. و الله تعالى يسدد سهام الأمة الساعية فيما يحبه و يرضاه، و يخمد ضرام الفتنة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله) ..

  لعلي أطلت في الرد و عطلت المد، فنأخذ واحدا من العلماء بالله الذي فسقه و كفره الجهلة بعلم الله، نقتبس بعضا من علم الله الذي يخص به الخاصة من خلقه، نأخذ كتاب الإبريز لسيدي عبد العزيز الدباغ، هذا الكتاب الذي صنفوه في كتاب سموه: كتب ليست من الإسلام ..

   يذكر فيه الكاتب عن الشيخ الجليل بعض من أسرار الحرف القرآني و الحرف السرياني، و على الأحبة أن يثبتوا معي في هذا البحث الرباني حتى يتبين لهم أن كتاب الله ليس حروفا على ورق كما يدعي هؤلاء أو أحكام ظاهرة فقط يجب الاجتهاد فيها حسب المزاج.. و أنه كما قال تعالى: إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكۡنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٠  (الواقعة)..

   كتاب الله فيه من العلوم ما لا يمكن أن يدركها خصوص و لا عموم.. فما طبيعة هذا الكرم القرآني، و كيف هو مخزون ومكنون، و ما هي مفاتح؟؟..

   إنه فعلا كتاب مكنون.. و أنه فعلا لا يمسه إلا المطهرون.. صدقت الجن أن قالت : إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فََٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا ٢  (الجن)..

   فلندخل ميدان الحرف القرآني الذي هو جزء لا يتجزأ من العلم القرآني و السر القرآني، و أن تعلمه موقوف على النية و التصديق و بعد ذلك فقط يمكن الاجتهاد فيه بالبحث و التحقيق، و إن كان ما سأذكره هو فقط مبادئ هذا العلم الرفيع فإنه عند العلماء بالله جزء لا يتجزأ من نظرتهم لكتاب الله و فهمهم لأوامر الله ..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire