أوقات الحجامة المفضلة:

عرفت الحجامة بأوقات معينة، خصوصا أنها كانت الطب المثالي الذي يكثر نفعه ويقل ضرره، فلا بد أن تكون لها أوقاتا وإجراءات تزيد من نفعه وتقلل من أعراضه، وهذه المواصفات المرقيه للفعل عادة تكون عند الحكماء الملهمين كالأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، ويكون عن تجلي صافي أو إلهام رباني وافي... ولكن بمرور الوقت وكما تخلط التعليمات الدينية بأمور الدنيا فتحولها عن مسارها الروحي، فإنها تحول التعليمات النفعية في أمور الدنيا دون تحقيق الأهداف التي خلقت من أجله..

قال أول الأطباء العرب والمسلمين الحارث بن كلدة، وكان قبلها طبيب ملك الفرس، ولما سأله عن الحجامة قال: ( في نقص الهلال , في يوم صحو لا غيم فيه, والنفس طيبة , والعروق ساكنة , لسرور يفاجئك وهم يباعدك...) وإلى الآن لا تزال العلوم المختلفة تبين مدى ارتباط الحجامة بأوقات القمر وغيره من الأوقات والإجراءات وسنأتي عليها بحول الله..

أما وأن دخل كلام الرسول الكريم في هذا الباب، فيجب أن يؤخذ كقاعدة بيانات في البحث العلمي، وهذا ما نفتقره في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. صحيح أن كثيرون من تكلموا في الإعجاز بجميع انواعه، وهذا عمل لا يرد على أهله، وهم به مأجورون إن شاء الله، ولكن الواجب يقتضي أكثر من ذلك بكثير.. وهل هناك أكثر من وحي إلهي، وهل هناك أبلغ وأنفع من رسول جاء بأمر الله ليس إلا رحمة للعالمين؟

إذا تفقدنا احاديث الرسول الكريم في هذا الباب نجدها سدت جانبا مهما من التساؤلات وإن كان بعض إخواننا تصدوا لأحاديث الموضوع بالضعف أو إنكار الوارد كما لو أنها أحاديث الأحكام، وإن هذا تقصير في فهم نور الحديث... وهذه بعض الأحاديث في الموضوع نحللها بما فتح الله تعالى حتى يتضح الأمر:

عن أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ﴾. رواه ابن ماجة في سننه..

ومن تأمل نور الحديث يتبين له أمران: اختيار الوقت بدقة متناهية وهي 17أو 19 أو 21 من الهلال، وسوف نتطرق إلى علاقة القمر بتهييج السوائل..

اما الأمر الثاني فهي كلمة:" وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ " وهذا معناه على لسان الرسول الكريم: أن الدم إذا تَبَيَّغَ بالفرد فإنه يسبب له مرض مزمن يصعب الشفاء منه ويكون السبب في وفاته، وجرني الفضول إلى البحث في معنى الكلمة، فوجدت في لسان العرب أن: تبيغ معناه الغلبة والقهر، يقال تبيغ به النوم يعني غلبه النوم وقهره، وتبيغ به الدم معناه هاج به وتوقد فيه، أي غلبه وقهره كأنه مقلوب عن البغي.. وهو اشتقاق من كلمة "البغي" المذمومة في القرآن، ففكرت في بحث على أنوار حروف القرآن، فوجدت الكلمة بجذور كثيرة من فعل بغى والبغي، كمثل قوله تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ.. وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الآية)..

فعلى الطبيعة النورانية للحروف رأيت إحالة كلمة "بغى" ليتضح المعنى بعض الشيء:

بَغَــى: معناها أن انوار الباء والغين والياء في الإنسان وهي على التوالي:

الباء عكسها غياب نور سكون الروح في الذات سكون المحبة والرضا.

الغين عكسها قبح الصورة الظاهر.

الياء عكس نورها عدم الخوف من الله تعالى...

والمعنى أن البغي لا يتم وصفه إلا إذا انتكست في العبد انوار الباء والغين والياء، يعني أنه يصبح غير راض على وضعه، وتقبح صورته الطبيعية وما يليها من أعراض وأمراض عضوية ونفسية، ثم ينتقل إلى المعضلة الكبرى وهي عدم الخوف من الله تعالى...

اختصرت القول ولكن وجب ذكره لا لشيء إلا للتنبيه إلى معاني كلام الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، فالحديث معناه واضح وصريح، أن الدم إذا تبيغ بأحد، فقد بعض هذه الأنوار أو كلها وعلى قدر الفقد تكون الإصابة العضوية او النفسية، كلنا يعلم كل هذه الأمراض الموجودة وعسرة التعامل معها مع وفرة الأطباء وتخصصهم وهذه الترسنات في الأجهزة والمعدات وهذه الملايين من أسماء الأدوية التي تزيد كل يوم وكل لحظة...

وهذا إن دل على شيء في الطب النبوي فإنما يدل على أن الحجامة تمنع تبيغ الدم في الجسد، وبالتالي إذا ثبت ووجد المرض المترتب عن تبييغ الدم فإن الحجامة تخفف حدته على الأقل.. أو إن وافقت المواصفات الطبية في الحجامة فإنها تشفيه.

وفي رواية عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَا نَافِعُ قَدْ تَبَيَّغَ بِيَ الدَّمُ فَالْتَمِسْ لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ﴿الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنَ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ﴾ ( رواه ابن ماجة)..

وهذا حديث آخر أجمع وأمنع، وإن شئت قل ولا تخف: هذا قاموس الطب في الحجامة، أو خلاصة الخلاصة في الحجامة، فهو يذكر أياما يجب أن تتجنب فيها الحجامة، ولكن على شرط تبييغ الدم.. وتبييغ الدم كما يذكر ابن عمر رضي الله عنهما، فإنه ليس مرض ولا ألم، ولكنه هيجان يحس به المؤمن القوي، له أثر في النفس وميل لها وربما بعض الفتور في الأحوال و الأعمال...

وهذا نوع خاص من الحجامة ربما يكون غائبا عن كثير من الحجامين والمحجومين، والمعنى أن الفرد إذا وجد في نفسه فتورا في العبادات، أو بدأت أحوال الأعمال تهجره، وحالات التدبر والتفكر، فليعلم أنها بداية تبييغ الدم.. وهذا الذي كان يقصده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولهذا تستحسن يوم الخميس لهذا الغرض، وتفضل يومي الإثنين والثلاثاء، وتجتنب يومي الأربعاء والجمعة والسبت.. ويجب أن تكون على الريق، فإذا كانت كذلك ففيها شفاء من تبييغ الدم أو الأمراض التي تنتج عنه، وفيها بركة في البدن والدين وخير كثير، ومن مزاياها انها تزيد في العقل وبه يصح التفكر والتدبر، وفي الحفظ (يعني خفة الحفظ وقوة الذاكرة).. وهل هناك أفضل من هذا طبا ووقاية؟؟؟..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire