و من هنا يبتدئ البحث في الطب على أنوار الحبيب صلى الله عليه وسلم

و من هنا يبتدئ البحث في الطب على أنوار الحبيب صلى الله عليه و سلم

هذا و إن دل على شيء، فإنما يدل على أن استعمال الأدوية، سواء كانت ذات فعالية أو كانت أدوية وهمية، إنما يتعلق الأمر فيها برفع الإيحاء على ما يسميه الأطباء..

أما بلغة أخرى فيتعلق الأمر بمدى استجابة المريض الباطنية إلى العلاج، و لا أقول النفسية بالمعنى الظاهري، لأن كل من كان مريضا كانت له الرغبة النفسية في العلاج، و زيارته للطبيب أكبر دليل على استعداده، و لكن بما يسميه الأطباء " الاستعداد ما فوق النفسي"، يعني التجاوب الحقيقي الطبيعي الذي لا حول للمريض فيه بالزيادة أو لا النقصان ..

فالأمر هنا متعلق بسلوك المريض مع نفسه، و في حياته و محيطه و دائرته..

فالشخص الكاذب مثلا، ليست مشكلته أنه يقول الكذب و فقط، و إنما يصبح لا يصدق الآخرين، و هذا يفقده الصدق و المصداقية في نفسيته..

و بكونه خائن يكون فقد الأمانة في سريرته..

و بكونه فضا غليظا متكبرا يكون فقد المحبة و المودة في سره و علانيته....

و ذكر الصدق و الكذب و الأمانة و الخيانة و ما إلى ذلك من السلوك ليس محطه فكري و فقط و إنما تأثيره وظيفي على مستوى سائر الأعضاء ظاهرها و باطنها..

فكلام الدكتور رورشاش عن الأشخاص الشديدي التأثير، أو المتلهفين أو المهمومين على حد تعبيره في بحثه، هو تشخيص يفتقر إلى تشخيص زائد، حتى يمكن أن يقول عن هؤلاء أنهم أشخاص طيبون ذووا قلوب سليمة، و إحساسات رقيقة، و سلامة في القالب الناتجة عن سلامة في القلب، و هذا الوصف إنما هو حصاد سلوكي اكتُسب من زراعات سلوكهم اليومية، في قناعاتهم و عملهم و معاملاتهم مع الغير في البيت و العمل و المحيط..

من هنا إذن يبدأ للطبيب الحقيقي تشخيص زائد، يبحث في تفاعل المريض مع الدواء، زيادة على التشخيص المعروف و المألوف.. و منه يترتب تخصص نفسي، أو ما فوق النفسي، أو روحي أو سلوكي، مضافا إلى التخصص في العضو المريض...

و الطب لا يزال يفتقر إلى هذا الذي يسمى طب ما فوق النفس، أو طب ما فوق العادة أو الطب السلوكي، يعني حقيقة الطب و طبيعته، و طبيعة الطب و سلوكه.. و بهذه الكلمة المتواضعة، نقول أن المسؤولية في هذا التخصص، مردها إلى الأطباء المسلمين، الذين لهم مبادئ في الحقيقة الطبيعية و الطبيعة الحقيقية.. فليراعوا إلى جانب التشخيص العرضي للعضو المريض، مدى استجابة المريض الحقيقية على التداوي، و ذلك هو رفع نسبة ما يسمى بالإيحاء في الطب..

و من المسلّم به أنه لا ترتفع نسبة هذا الإيحاء في الشخص إلا إذا كان سليم السلوك صافي الطوية و السريرة، مسلم مؤمن مطمئن، يعلم السر في العطاء و المنع، و يعلم الفرق بين العلم و الجهل، و حقيقة العز و الذل، والغنى و الفقر، و باقي أسماء الله الحسنى و صفاته العليا، و يعلم مقام العبودية، و سر الربوبية و يعرف كيف يفرق بين الواجب و الممنوع و بين الحق و الباطل...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire