تأريخ الطب:

عرف الإنسان الطب منذ وجوده في الحياة وتقدمه فيها، وقد سبق بيان الخلقة الآدمية في شخص أبينا آدم عليه السلام بكماله البشري وحكمته في العلم وجنته مع زوجه في المعاش... ولم تكن له علة ولا به سقم وهو يعيش بحق وموجب: وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا.. ولكن كان لهذه الجنة ضوابط ولهذه الصحة قواعد ولهذه النعم حدود حواجزها: وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ.. فأول ظلم ينطق على الإنسان هو ظلم نفسه، ثم محيطه ثم دائرته، قال تعالى: مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ...

لم يكن في جنة آدم مرض ولا سقم، ولا تكلف ولا عوز النعم، ولكن عندما انتهك ظمان ذلك، كان العليم الحكيم قد أوجد في علمه السابق استدراكا لذلك الانتهاك اللاحق.. وكان آدم يعلم الأسماء كلها (وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا) وهي أسماء الأشياء كلها ونفعها وما أنشأت له... ولم يكن الندم على الذنب من الأسماء ولا كيفية الرجوع عنه، وهذا الذي يشكل الفرق بين المدد والإمداد، فتعليم الأسماء كلها كان مددا ربانيا لأبينا آدم، أما الندم والرجوع الذي يحصل عن اقتراف ذنب يجب أن يكون له إمداد رحماني.. (فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ) فلا بد أن يكون للمتلقي استعداد وآداب، ولا بد أن تكون للتوبة خلوص متاب..

هذه هي جذور الطب وهنا بدأ تأريخه، بين مدد ما أوجده الله في الإنسان قبل أن يعرف الطلب، وإيجاد ما يحتاجه من غير تكلف ولا تعب.. وبيان ما ينفعه من حلاله وما يضره من حرامه، والتعامل معهما بكل ما يلزم من أقوال بنية، وأفعال بحكمة، وأحوال بصدق وصفاء طوية..

هذا كله يدخل في المدد المستمر للعبد لأنه يكون بغير حول منه ولا قوة، وهو تيسير لا تعسير معه، واستمرار حياة لا كدر فيها.. ولكن إذا زل العبد عن منهج السلامة أو أخطأ التوجه نحو توالي المدد الرباني فإنه من الطبيعي أن يحصل له خلل على قدر زللـه أو بعد عن سلامته على قدر خطإه...

هنا تلزم قاعدتين، وهما أساس كل إمداد، وكما لم تنفع أبونا آدم الأسماء كلها في الحصول على التوبة، ولكنها فتحت له باب الوقوف بين والرجوع والتراجع إلى الله حتى تلقى من ربه كلمات فأوقفته باب الأوبة، وهذه هي القاعدة الأولى: وهي إصلاح ما انحرف فيه العبد ومعرفة ما انجرف فيه، والوقوف في باب التوبة ورجاء الأوبة..

أما الباب الثاني: فهو التصريف في علم: وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا.. وتنفع لإصلاح ما فسد من الجسد ومقوماته ومكوناته ومؤثراته، ويكون هذا على قدر الاحتفاظ بالموروث الرباني لأبينا آدم عليه السلام وهو العلم بالأسماء كلها..

العلم بالأسماء كلها.. هو موروث رباني للبشرية، كلما صفت بشرية العبد من حجب النفس باتباع هواها، وتوجهها بإيمانها وتقواها، أشرقت شموس معارف القلب من سيدها ومولاها.. فسقت الجوارح ووظائف الأعضاء الباطنة ثم الظاهرة.. تلك هي فطرة الله (فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ) بالتاء المبسوطة لضرورة كمال الحواس الظاهرة، التي سبقها حسن التجاوز للراء، والتمييز للطاءـ والحمل للعلوم، الذي هو أساس التبليغ وعصب النبوءات والرسالات السماوية..

وهذه "الفطرت" قد أقدر الله الناس عليها، بل هي أساس ما يأخذه الإنسان من مدد الله إليه، وهذا معنى قوله تعالى: ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ.. يعني لا يتكلفونها.. يعني أن الذي يتكلفه الإنسان هي البدع والضلالات.. ومن تأمل هذا في علم السلوك الرباني يجده كذلك.. فالصدق مثلا هو طبيعة الفطرت، والزيادة في المعلومة يسمى الكذب، وكتمان الحقيقة هو دونه، فالصدق وسط و"فطرت" بين الكتمان والكذب.. كذلك الإنفاق بالاعتدال وسط بين الإسراف والإقتار، والشجاعة وسط بين التهور والجبن، وهكذا... وقد فطرت النفس البشرية على معرفة هذا حتى وإن لم تكن على الفطرت المشروطة قال تعالى: وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ، فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَاوَتَقۡوَىٰهَا ، قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ، وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا...

فهذه الفطرت أو "علم الأسماء" أورثها أبونا آدم بنيه من بعده بصرف النظر عن رفيع السلوك ووضيعها، لأن تلك طبيعة الموروث والوارث، قال تعالى: وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَمِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ، قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ..قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ...

فهذه الآية تبين فطرة العلم،، وموروث آدم لبنيه، وتدرج المتلقي بأوعية التقوى، وإلا كيف عرف ابني آدم أن القربان تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وهذا يدخل في علم الأسماء والمسميات، أما كيف يتقبل فهو من علم الخصوص، ولذلك قال الثاني: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ.. وقال المريض مبينا سبب عدم قبول القربان منه: قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ.. وتأكيد سلوكه السليم قوله: لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَلِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَرَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ...

هذا الذي يهمنا في هذا المبحث من موضوعنا، بين علم المدد وعلم الإمداد، أو بين علم أسماء الأشياء وعلم الرافعة التي ترفع العمل بالأشياء.. وهو تماما كصناعة الطب والعلم بالطب..

تاريخ الإنسانية للأمور السلوكية يبين لنا أن تأريخ الطب رباني بالفطرة، وأن الذي علّم الأسماء كلها كانت كل الأسماء التي تنفع أو تحول دون ذلك، والأسماء التي يكون بها العلاج من بينها.. لكن ثمة أمور تؤثر على هذا النفع، وهي متعلقة بفعل الإنسان نفسه، فقد يكون تأثير الشيء نافعا بالنسبة للإنسان (وذلك اسمه) ولكن سلوكه يكون مترديا فيحول نفع الشيء إلى قلته أو عدمه (وهذا ما تطرقنا له في الفقرة السابقة أو ما قبلها)..

أما علم الأسماء كلها فكان في حق أبينا آدم، وما كان من ورثته فإن حفظ الأسماء بعلم وعمل يكون قد صان الموروث الرباني في أسماء الأشياء، وأما إن لم يصنها فيكون قد عرضها للضياع، ويدخل في الجهل بالأسماء بعضها أو كلها..

فإذا أردنا أن نقيس تحليلنا على موضوعنا في الطب، فإن كان العلم بمسميات الطب يقابل العلم ببعض الأسماء فإنه يعوزه قياس على كتاب الله الناطق بالفطرة وسنة رسوله الله الموضحة لها حتى يسقيم علم الأسماء والمسميات فقط.. أما سر السير عليها فإن له علم يحمله وعمل يرفع (إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ )..

لو كان علم الأسماء (ولو كلها) ينفع دون عمل لنفع آدم عليه السلام.. كذلك الطب، لو كان ينفع بمعرفة الأسماء والمسميات لما بقي بين الأغنياء ولا بين الأطباء مريض ولا عليل.. ولكن للطب أسرار تعلو ولا يعلى عليها، ويشترط على الأطباء الراغبين البحث عنها والوصول إليها، رأس سنامها الشفاء، وقد نسبه إليه رب الأرض والسماء...

علم الطب لا يجوز معه التعجب، ولو كان من باب الإيمان، قال تعالى في صاحب القرية الخاوية: أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ... (الآية) فلما تبين له سر الله قال: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ...

وعلم الطب يجب دخوله بالنية والتصديق كما يجب في البحث والتحقيق، وذلك مثل أبينا إبراهيم قال تعالى: وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ..(وهذا يدل على جواز طلب العلم في كل شيء).. قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ.. (ويبين العليم الحكيم أن طلبه ليس انتقاصا في الإيمان).. قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ (بل زيادة فيه وهو موصل إلى درجة الإطمئنان).. قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ..(فأراه الله الطريقة وفعلها بنفسه ليحصل على الإطمئنان الفعلي، ويزداد معه علم يقين آخر: وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ (في علمه) حَكِيمٞ (في أمره)....

فعلم الطب من حكمة الله العليم الحكيم، أنزله في كتب الأولين، قال تعالى في حق كليمه عيسى: وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ.. ومن آيات الله التي بعثه بها قال تعالى: أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡ‍َٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُفِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ .. وهذا تحدي لو لم يكن في كتاب الله لما صدقناه.. وقوله تعالى: بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ.. أنه مأذون من الله بأنوار الامتثال ومعرفة اللغات والفرح بالله ولا شيء سواه.. فهذه صناعة خلقية.. ومادتها الأولية من الطين... فيصبح طيرا!! هكذا يعلمنا الله حقائق الإيمان ورقائق الاطمئنان...

وهناك تخصصات أخرى وكل ذلك بإذن الله قال تعالى: وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَوَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ.. ثم ماذا بعد ذلك يمكن أن يفعله البشر بإذن الله قال تعالى: وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَفِي بُيُوتِكُمۡۚ...

ومن سرح في جنان المعارف الربانية التي أخبر الحكيم العليم بها من خبر الأنبياء والمرسلين، يجد فعلا أجوبة لكل ما يمكن أن يخطر ببال الباحثين والمتخصصين عبر الأزمان والأمكان.. وكله مدون بين دفتي هذا الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، والذي لما سمعته الجن قولوا: إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًاعَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَ‍َٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا..

فمن أراد أن يؤرخ للطب فلا بد له أن يمر بأصوله، وإلا فليلحق الأسماء بمسمياتها، كتاريخ الطب العرضي (الذي يعالج أعراض الأمراض ولا يعرف الكثير عن حقيقة الأمراض)، أو تأريخ الطب الظاهري (الذي يعالج فقط ما ظهر من آثار الإصابات بالمرض)... اما وأن يؤرخ للطب أن أصوله في القدم كانت متعلقة بالسحر أو الشياطين أو غضب الطبيعة أو إرادة الآلهة... فإن هذا التأريخ تلزمه مراجعة وتصحيح، وأن ما ذكر من هذه الأسباب كان بعد تقهقر عهد الوحي في كل أمة وتراجعه أو الكفر به فقط، وما خلت أمة من نذير قال تعالى: وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ.. وقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا..

أما في حالات الإيمان واليقين، فإنها تكون النظرة أكبر في المعرفة ابتداء، وبعدها يكون التصحيح السلوكي، ثم يبدأ التدخل بالاستعانة على ما تقهقر من بعض وظائف الأعضاء عن مهامها.. هناك فقط تبدأ صناعة الطب التقليدية، ويكون اجتهاد المعالجين أو الأطباء، وذلك حسب معتقداتهم، فإن كانت إيمانية، كانت تدخلاتهم ناجحة بالفطرة، لأنهم يواجهون العطب العضوي بالوجه المطلوب والمنهج المرغوب.. أما إن اندست في التدخل فوائد ومقاصد، أدخلت في الطرق حيل وشطن تبعد عن حقيقة العلاج أو الشفاء بقدر تغلغلها في المنهج العلاجي للعلة أو المرض ، فرب طبيب نفع ورب طبيب ضر.. ولكن حقيقة الطب نفع مطلق لا ضرر فيه ونصح محقق لا يحاد عنه..

صحيح أن أبواب الطب التجاري أرصدت أبوابها بإحكام، وسيجت عروشها بكل إتقان، وألحقت بألسنة لهب القوانين من حاول إقحام أنفه في أسرار معسكراتها، أو من جنودها كل من حاول التمرد على آياتها وقوانينها... وطال صيتها حتى علا على الدول، وتعمقت شطن تقتياتها حتى تدخلت في كل الأمراض والعلل، واستعبدت الناس على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم ومختلف أ عمارهم بكل الحيل... وما أرى هذا إلا كسحرة فرعون.. سَحَرُوٓاْأَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ.. ولكني أذكر الناس بقوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَاتَسۡعَىٰ.. والخوف مشروط على المتعاقدين من الأطباء والإخصائيين..فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ(أما أمر الله فهو): قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَأَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ.. وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ (من الحق والصدق).. تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ (من الكذب والزور).. إِنَّمَا صَنَعُواْكَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ..

حتما لا يفلح.. قطعا لا يفلح الساحر.. ولكن يجب أن يكون هناك موسى.. ليلق ما في يمينه عملا بقوله تعالى: وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ.. وفي تأويل الآية فهمان، يليق كل منهما بأهله..

الفهم الأول: ما كان في يمين موسى عليه السلام عصى، وقد ذكر منافعها كما بينته الآية قبل: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَاوَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَ‍َٔارِبُ أُخۡرَىٰ.. والظاهر أنه لا يملك إلا هي، قال له تعالى: قَالَ أَلۡقِهَايَٰمُوسَىٰ.. والمعنى ألقها فقط فإنها كفيلة أن تفي بالغرض بأمر الله، وتلقف ما صنعوا...

الفهم الثاني: هو أن الذي يظهر من كلام موسى أن للعصى وقع ولو بسيط، ولكنه موجود، فالحق يقول له أَلۡقِهَايَٰمُوسَىٰ.. والمعنى ألقها من قلبك!!، ولا تشك أن شيئا يمكن أن ينفع أو يضر بغير إذن الله ومشيئته، فألقاها موسى (من قلبه) فرارا إلى الله مما سواه.. فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ... .

وما أقرب اليوم من سحرة فرعون، وما أوقفنا على يقين وقرار موسى من أمر ربه: وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ.. لكن الأمر مستوف شروطه مع سحرة اليوم، ونسأل الله أن يلق في قلوب علماء الأمة: وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ.. ولو بحثنا في فهم ثالث في فهم إلقاء ما في اليمين نجده مدونا بين دفتي كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، وفيه جمعت أسرار موسى عليه السلام، وأسرار إبراهيم أبو الإسلام، وأسرار جميع الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات وأزكى السلام...

فهلا ألقينا ما في يميننا من يقين وإيمان، ونبذنا ما في شمالنا من خوف وجبن وخذلان، وحاولنا أن نبلغ ما أنزل ربنا من الحكمة والموعضة الحسنة.. وقربنا من الإنسان ما يحتاجه في صحتة ومرضه من العلاج والبركة.. فقد أصاب الناس من الأعراض والأمراض ما لا يعلمه إلا الموقنين، ومن عدم الاستقرار ما لا يخفى على أحد من العالمين... والمهمة ملقاة على المؤمنين لا غيرهم، لأنهم آمنوا فزادهم هدى، ولو رابطوا لربط الله على قلوبهم، كما ربط قلوب أصحاب الكهف...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire