تمهيـــد

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

   الحمد لله حق حمده، و حق الشكر مشروط على مده، حتى نصل إلى أن الشكر نعمة من عنده.. أشهد أنه الله.. لا إله إلا هو، شهادة أنجو بها من أوحال التوحيد و أغرق بها في عين بحر الوحدة.. و أشهد بها أن سيدي و حبيبي و نور قلبي محمد بن عبد الله باب سر الله المصون، و سر نوره المخزون، و طلسم اسمه المكنون..

يا أعظم الخلق عند الله منزلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة           اعطف علينا بما نرجوه يا أمـــلـــــــــــــــــــــي

من يحتمي بك يضحى الكون يخدمـه          لأجل جاهك يا مــمد كل ولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

بك احتميت فلا تكلني يا سنـــــــــــــــــــــــــــــدي          للنفس و الجنس و اجبرنا من الخـلل

و ليس يلحق عبد أنت ناصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــره             فأنت لي عمدة في السهل و الجبـــــــــــــــــــل

و قد تحيرت في أمري فخـذ بيــــــــــــــــــــدي            فلا تحول لــي عن نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورك الأول

صلى عليك إلـه العرش ما ظهــــــــــــــــرت            شمس الحقيقة بالأسمـاء و الفعــال

 

   صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.. يا حبيب الله.. مادام سر الله.. و نور الله.. و ذكر الله.. يا خير من قال لا إله إلا الله..

 
  علمونا أن الحكمة ضالة المؤمن، فتعلمنا كيف نتطفل على موائد أولي الفهم والخطاب، ونتسابق على ما فضل من فتات أولي الألباب.. بناء على قول الحبيب الطبيب: "من أحب قوما كان معهم".. فنتطفل على مجامع الأحباب أين ما كانت و إن لم نكن لها أهل.. نشرب من مناهل الصفو ما جاد به الكريم.. و نتشبه بأهل القربات من الرحمن الرحيم.. نتشبه بالقوم.. عسى الكريم أن يقبلنا بما هم أهله، و يرفعنا عما نحن أهله.. طمعا في ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هم القوم لا يشقى جليسهم..

 

   وُجدنا في وقت كثرت فيه الجماعات و التجمعات و المنتديات.. كل يدعو لهدفه و غايته و هواه، فتضاربت الأقوال، وغاب العلم بإخفاء الرجال، فاختلطت على أبنائنا و بناتنا الأمور، لا يدرون ما يصدقون و لا ما يكذبون، و المتداعون باسم الدين يعبثون.. يطلبون بذلك عرض الدنيا، فو قع في شطنهم كل مبتدئ غافل، و تغلغل في شطونهم كل من كان بالحقيقة ناكر أو جاهل، فوقع التداعي على أمة الإسلام، كما جاء في خبر سيد الأنام، كما تداعى الأكلة على قصعتها، لا من قلِّتنا و لكن من دخول العلة فينا، و لا من قلة عدتنا و لكن من تمكن الشيطان منا.. فقذف الله في قلوبنا الوهن، و نزع الله من صدور أعدائنا مهابتنا..  فتنونا ففتنا.. و أمرونا فأطعنا.. و أرغمونا فرضخنا.. فوصلنا إلى قول مكرم الوجه علي بن أبي طالب: يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم خرجت الفتنة وفيهم تعود.. و الحديث مشهور و إن ضعفه البعض...

 

   بدأنا نسمع في السنين الأخيرة (و مع الأسف الشديد ) من بعض المتمسلمين (حتى لا أقول المسلمين)، أن العلم و الدين لا يجتمعان في شيء، حتى أن بعضهم أصبح ينادي بضرورة فصل الدين عن العلم، و حتى أن بعض السياسيين العرب لا يرون في الدين و ممارساته إلا طمأنة للنفوس و رضا بالواقع و قناعة به..

   و هذا في الواقع بل و أصبح يدعو إليه بعض الشرائح من المتعلمين و بعض نواب الأمة بدعم من أيادي الظلام.. بل و أصبح يرى جليا عند الطلبة في الجامعات.. بل امتد هذا الزحف الشيطاني (خصوصا بعد ظهور هذه الفرق الضالة ) حتى في الأوساط الشعبية.. بين الأفراد و الجماعات...

 

  و في كثير من الأحيان أجلس مع أبنائي و إخواني و أحبائي، و عندما أقول لهم إن توحيد الله هو أصل كل العلوم و منبعها، ومنبت السر في المعارف برمتها.. أجد في أعينهم مجاملة من ورائها مُساءلة.. و كأن الواحد منهم يقول.. كيف لا و هو توحيد الله.. و هو يفند بعينيه إلى اتجاهات أخرى.. طارحا أسئلة لا جواب لها، وواضعا فرضيات لا حلول لها..متحيرا بين الأين والكيف..

 

   يا أمّة ً كتب الله لها أن تكون خير الأمم.. يا أمة خصها الله بالمكارم و القيم.. يا أمة أنزل الله فيها خير كتبه.. و بعث فيها منها خير رسله..

   يا أمة الإسلام.. أكرمنا الله بكتاب جمع فيه سر الأولين و الآخرين، و علوم الأولين و الآخرين.. و بيّنت له السنة المحمدية الشريفة..

   و إذا قلت أن في كتاب الله و سنة رسول الله كل العلوم، يعني كل العلوم التي عرفها البشر، و التي لم يعرفها بعد، كالطب بجميع أنواعه و الكيمياء و الفيزياء و الفلك و الذرة، و كذلك التجارة و الصناعة و الطبيعة و علوم الاجتماع، و كل ما عرفه الإنسان من بدايات في العلوم، و كذلك علوم أخرى لم يعرفها الإنسان و لن يعرفها..

    كل هذه العلوم و الفهوم وردت في كتاب الله، و بينتها سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و شرف و عظم، فمن شرب شيئا منها فبكرم الله و فضله، و هو على بينة من هذه العلوم على قدر مشربه من ينابيع الحقيقة، و من مُنعها فبحقه سبحانه وعدله، ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (الحديد21) ..

   كثير من علماء المسلمين اهتموا في السنين الأخيرة بما سموه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، و ألفت في السياق مئات الكتب، و من العلماء من تخصص في ذلك و رأى فيه أسلوبا للدعوة، و كلف نفسه مشاق السفر.. إلى المتخصصين في الخارج، فمنهم من آمن و منهم من كفر.. و ذلك مجهود لا ينكر عليهم و لا يرد..

   و من علماء المسلمين من اعتمد هذا النهج و توجه به إلى عموم و عوام المسلمين، وكذلك إلى المثقفين الماديين ليزداد تشبثهم بالدين.. و تمسكهم باليقين.. و هذا كذلك أسلوب لا ينكر و لا يرد.. و الله لا يضيع أجر من أحسن عملا..

   و لكن السؤال المطروح هو:

   من يدل على من؟.. و من يسند من؟.. و من يعز من؟..

   فمن الساند و من المسنود؟.. و من الحامل و من المحمول..؟

   و من المعزّ و من يسأل العز.. و بماذا تكون العزة؟..

  قال أحد الراسخين: إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك .

إلهي عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، و خسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيبا .

 

    قال ربي عز و جل: إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ (الإسراء 8).. فالقرآن منه و به تكون الهداية ، و ليست أي هداية و لكن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، يعني هدايته هي الأقوم على الإطلاق و في جميع النواحي و المناحي، في الدين و الدنيا و الآخرة، وفي كل العلوم و الفهوم، و يقول الحق جل في علاه في آية أخرى من سورة الكهف: وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا(الكهف54) ..

   و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله و سنتي.. وفي رواية: وعترتي.. و قال صلى الله عليه و سلم و شرف و عظم: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.......

     و قال الفاروق عمر، رضي الله عنه:  إن الله أعزنا بالقرآن، فإذا أردنا العزة من غير القرآن فالله يذلنا..

   و في هذا سلوك رفيع يجب التنبه إليه، و توجه عظيم في التوحيد يجب الاعتماد عليه، تعلّمه السلفُ الصالح من رسول الله صلى الله عليه و سلم و شربوه، و تأكدوا منه و في بواطنهم أسكنوه، و عَملوا به و لمن تبعهم علّموه و لقنوه..

   القرآن عزيز لأنه كلام الله العزيز، لا عزّ إلا عزه تبارك عزه و تعزّز جاهه، و العبد عبد مقامه التذلل و العبودية، و عزّه الوحيد في الثبات و التمسك بالمقام التذللي في ركن العزّ الذي هو كتاب الله العزيز..

   ركن العبد ذليل، و جناب الله عزيز.. جاد العزيز من بحر عزه على العباد بكتابه العزيز، فيجب أن نتذلل له لنعتز بعزه..

   فالتذلل لكتاب الله هو تقديم أمره على أمرك و نهيه على نهيك، و كل ما كان منك تتركه إلى كل ما جاء به، لأنه كتاب الله العزيز.. و هذا هو السير على أنواره، نستنير بنوره على ظلمات أنفسنا، و نستضيء به في مسالك طريقنا لنتقي به العثرات والمزالق..

 

   فيبقى هذا دأب العبد الذليل، مع كتاب الله العزيز الجليل، إلى أن يلبس أمره أمرك، و نهيه نهيك.. إلى أن تستنير ظلمتك وتنقشع حلكتك و يتضح طريقك.. و هذا هو الذي قصده سيدنا عمر رضي الله عنه و أرضاه في قوله:

   إن الله أعزنا بالقرآن، فإذا أردنا العزة من غير القرآن فالله يذلنا..

و هذا هو الذي فهمه السلف الصالح.. و هذا الذي عملوا به و هذا الذي دلوا عليه..

   سئلت أم المؤمنين عن رسول الله يوما فقالت: كان خلقه القرآن..

   و سئلت يوما فقالت عنه صلى الله عليه و سلم: كان قرآنا يمشي على الأرض.. يعني كان أنوارا قرآنية تمشي فوق الأرض، يعني كان صلى الله عليه و سلم آياتٍ نورانية تنطق في كل أقواله و أفعاله صلى الله عليه و سلم و شرف و عظم..

   فهذا الذي يجب أن نتنبه إليه و نعمل عليه، فالقرآن محله في العز و الحفظ و عدم الزوال، و الإنسان محله في البحث عن العز والتحصل و النوال..

   فمن ينحاز إلى من و من يحفظ من و من يحمي من؟..

   هل نحن الذين نحفظ القرآن أم نحن نسعى أن نكون محفوظين بالقرآن؟

   هل القرآن يحتمي بنا أم نحن الذي نسعى إلى الحماية بالقرآن؟..

   هنا مكمن السرّ.. و هناك التبست الأمور على الجم الغفير من أمة القرآن في آخر الزمان.. سواء كانوا من المتخصصين في علوم الدين أو في علوم الدنيا..

   و هذا هو الذي وقع فيه الخطأ و الزلل.. هو فرز العلوم عن بعضها، بل جرد العلوم من لبها.. فلا دنيا بغير دين و لا دين بغير دنيا.. و إن قال أحد الشعراء:  فلا دنيا لمن لم يحي دينا.. فنقول له: و لا دين لمن لم يحي دنيا..

   و هذا مدخل بسيط، و إن طال شرحه، و إنما نمهد به إلى مبحث في غاية الأهمية، و هو علاقة الدنيا بالدين، أو علاقة الدين بالدنيا..

   أو إن شئت قلت علاقة القرآن بالعلوم، و علاقة العلوم بالقرآن..

   أو إن شئت قلت علوم القرآن..

   و إن شئت قلت أنوار القرآن الناطقة في سيد ولد عدنان..

   و إن شئت قلت الأنوار الربانية في سلوك خير البرية..

   و إن شئت قلت الأنوار القرآنية في الذات المحمدية..

 

   فعلوم القرآن ليست محصورة في القراءات أو التفسير في زمن من الأزمنة أو مكان من الأمكنة.. فالقرآن كتاب الله الذي لا ياتيه الباطل..

   فالأعرف بالقرآن من أمة القرآن هو الذي نزل عليه القرآن، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام..

   و هو الذي قال فيه صلى الله عليه و سلم:

   فيه خبر ما قبلكم و نبأ ما بعدكم و حكم ما بينكم... يعني فيه علم الأولين و الآخرين... و حكم كل ما اختلفتم فيه في كل زمن و حين... يعالج كل علم بنفسه، و كل فهم بجنسه...

   و قال كذلك عليه الحبيب المحبوب سيدنا محمد: من قال به صدق، و من حكم به عدل، و من عمل به هدي إلى صراط مستقيم...  حتى قال صلى الله عليه و سلم: و هو الذي عندما سمعته الجن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد...

   فالرشد هو إلهام الصواب و الصلاح و الفلاح و الدلالة عليه، و عكسه التهور و التلف المؤدي إلى الخسارة و الخسران.. قال تعالى: فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦  البقرة..

 

   فالجن قالت لما سمعت القرآن.. إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فََٔامَنَّا بِهِۦۖ(الجن) فالرشد هنا هو الرشاد والاسترشاد بطريقة عجيبة.. و المعنى أن هذا القرآن فيه دلالات واضحة صريحة تقوم و تقيم و تعلم و تفهم كل أنواع الترشيد في كل العلوم و الفهوم ما عُلم منها و ما لم يُعلم وما فُهم منها و ما لم يُفهم..

   فنحن نقول بترشيد السياسة إذا جارت، و ترشيد الشعوب إذا ثارت، و ترشيد المياه إذا غارت، و ترشيد الميزانيات إذا أتلفت..

   و نقول ترشيد الصناعات إذا تدهورت و ترشيد التجارات إذا أفلست..

   و نقول ترشيد كل العلوم ليستفيد منها الخصوص و العموم..

   فالجن قالت: إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ.. فََٔامَنَّا بِهِۦ.. وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗ..

 

   فنحن نريد من خلال هذه المقدمة، أن نتعلم كيف نستهديَ بالقرآن و نجعله هاديا، و نسترشد بالقرآن و نتخذه مرشدا.. ونُعلم أبناءنا و بناتنا في كليات العلوم و في جامعات التخصص.. أن هذا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد.. يهدي إلى كل رشد، وينقذ و ينبه، بل و يمنع من كل تلف و كل ضياع و كل خراب في كل ما نهجه و تعلمه الإنسان من علوم، كيف ما كانت هذه العلوم..

   و لم لا.. أليس هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل؟..

 

   بعبارة أوضح:

   إذا بحثنا في كتاب الله العزيز، و لم نجد ما يدلنا الدلالة الكاملة الشاملة، على إسناد كل العلوم بجميع أنواعها، فكتاب الله ناقص، و دين الله ناقص.. و حاشا كتاب الله من ذلك، و حاشا دين الله أن يكون كذلك..

   فدين الله كامل لا نقص فيه، و كتاب الله سالم لا ريب فيه..  قال تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ (المائدة 3)..

 

   فإذا بحثنا في كتاب الله و لم نجد ما يَسندنا في كل العلوم فذلك لعدم فهمنا عنه، و عدم تمسكنا به، و عدم اطلاعنا عليه..

 

   الحق سبحانه جل شأنه و تعظم سلطانه، يقول بلسان الحق في الكتاب الحق على يد رسول الحق: مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ(الأنعام 38)..

   فـ (من شيء).. المقصود منها كل شيء و أي شيء، و لو كان حتى جزء من هذا الشيء، قلّ أو كثر، متجزئ أو لا يقبل التجزؤ..

   فـ (من شيء).. هذه الكلمة الدالة العجيبة ذكرها الحق في كتابه العزيز مرات عديدة.. و لها مدلول واحد، كمثل قوله تعالى: رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِي وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ ٣٨ إبراهيم..

   فهل يمكن أن يخفى على الله من شيء و هو الذي خلق كل شيء، و هل يمكن أن يخفى على الله من شيء و به قام كل شيء..

   و يقول عز ربي و جل: وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ ٢١ الحجر.. و يقول ربي تبارك اسمه و عدل حكمه و تعظم سلطانه: وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ١٠ (الشورى)..

   فأي اختلاف كان أو هو الآن كائن أو سيكون، في أي شيء كان، في الدين أو في الدنيا، في العلوم أو في البحث فيها، أو في الصناعات أو التجارة في منتجاتها، أو السياسات أو ممارساتها.. يعني في كل شيء من الأشياء.. فحكمه إلى الله.. يعني حكمه عند الله موجود و غير مفقود.. و سبيل الوصول إليه وضحت له السنة المحمدية بأنوارها و أسرارها الربانية.. لا يزيغ عنها إلا هالك..

   لماذا؟

   لأن ما من شيء إلا عنده خزائنه.. و لأنه لا يخفى على الله من شيء في الأرض و لا في السماء.. و لأنه سبحانه قال: ما فرطنا في الكتاب من شيء..

 

   التفريط معناه التقصير أو الإهمال أو السهو أو الغفلة سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد.. و الحق سبحانه ينفي التفريط عن الكتاب و التفريط فيه.. لأنه كتابه سبحانه.. لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢ ( فصلت)..

   لمسة أخيرة في هذه الآية العظيمة التي وقع بها بفضل الله الاستهلال، هي كلمة كتاب.. ما فرطنا في الكتاب من شيء..  قال عز ربي و جل: إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكۡنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ ٧٩ الواقعة..

   فالمكنون معناه المخفي و المخزون، بدليل قوله تعالى في سورة النمل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ ٧٤ .. و يقول الحبيب المحبوب سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم: إن من العلم كهيئة المكنون، لا يطلع عليه إلا العلماء بالله...

 

   ويكون المؤمن أهلا للتعرض لرحمة الله  إذا تناوله ن بالقراءة أو السماع، و كان المقصود من تلاوته التعبد و التقرب إلى الله عز و جل..و لذلك يقول الحق عز و جل: وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٢٠٤  (الأعراف)..

 

   فإذا قرئ القرآن سواء منك أو من غيرك فيجب الاستماع له أولا، و الاستماع في الظاهر حاسته الأذن، و لكن حقيقته متوقفة على أنوار، إن ثبتت في العبد حصل له حسن الاستماع و توفق إلى حسن الاستماع، و تستخرج الأنوار من الكلمة.. (فَٱسۡتَمِعُواْ)

   فإن توفق المستمع إلى حسن الاستماع و وصل إلى حق الاستماع صح له أن يدخل في مرحلة ثانية هي الإنصات.. بأمر الله و (وَأَنصِتُواْ)...

  و في الإنصات يستطيع السمع أن يُبلّغ ما سَمعه إلى سائر الجوارح.. إلى العقل فيفهمه ثم إلى القلب فيحسه و يقبله.. و له كذلك آداب لا بد منها و الطريق إليه بأنوار لا بد منها..

   فإن توفق المُنصت إلى حق الإنصات و تحقق به حقت له رحمة الله.. و ذلك الوصول بفضل الله إلى الكتاب المكنون..

   و ليس كل من حاول الاستماع يصل إلى الإنصات، و لا كل من حاول الإنصات توفق فيه.. و لكن كل من أكرمه الله بحسن الاستماع، و وفقه الله إلى حق الإنصات كان حقا على الله أن يوصله بذلك إلى الرحمة.. و يوصل الرحمة إليه..

   قال الحق تعالى في كتابه الحق: لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ ١٦ إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ ١٧ فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ ١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ ١٩  القيامة..

   فالحق سبحانه يخاطب رسول الحق، و من خلاله كل من أراد أن يكون على الحق، و يبين له أن لا فائدة من تحريك اللسان بالقرآن قصد التعجل به و العجلة.. بل و أن ذلك منهي عنه بدليل قوله تعالى: لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ..

   لأن الذي تولى كتاب الله هو الله.. هو سبحانه الذي تولى جمعه.. و هو سبحانه الذي تولى قرآنه.. و هو سبحانه الذي يتولى بيانه و تبيانه.. للذي اتبع قرآنه إذا تولى الله قرآنه... فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ..

   فالذي يتولى قرآن القرآن هو الذي نزّل القرآن، قال تعالى: الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (يوسف)..

   أما الإنسان فعليه أن يتّبع القرآن إذا قُرئ القرآن..فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ..

   و اتباع القرآن هو العمل به.. تحليل حلاله و تحريم حرامه و الإيمان بمتشابهه.. و السير به و إليه لا يكون إلا على أنواره وأسراره..

 

     بعبارة أخرى أو بشرح أوضح..

   القرآن هو كتاب الله تعالى، و هو المكتوب و المسطور بين دفتي المصحف الذي هو بين أيدينا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، و لا يمكن الزيادة فيه و لا النقصان منه، لا في سورة و لا في آية و لا في حرف، و لا حتى في مد أو وقف.. ومن توهّم أن القرآن رسم ظاهري لا باطن له، فقد ساوى بين كتاب الله و ما كتب عباده، و بذلك يكون قد ساوى بين الخالق ومن خلق.. فنعوذ بالله من الجهل و من الجاهلين..

   فالمتعامل مع القرآن الكريم يكون على ثلاث أسس، أو أن القرآن له ثلاث نهج للتعامل معه..

   الأولى قراءته باللسان..

   و الثانية سريان أمره و نهيه على الجوارح و الجنان..

   و الثالثة سكونه في القلب و في الكيان..

   فالأولى طريقة المبتدئين، و الثانية طريقة السائرين و الثالثة طريقة الراسخين..

   فالطريقة الأولى تعلمُه، و الثانية العمل به، و الثالثه العلم به..

   فالطريقة الأولى ضرورية، و الثانية إجبارية، و الثالثة حقيّة..

   فالطريقة الأولى التي هي للمبتدئين، و هي قراءته باللسان، و هي تعلمه، و حكمها ضروري، و تقتضي تعلم النطق به أولا وتجنب التصحيف فيه و اللحن، و الوقف فيه، و المد و التفخيم و الترقيق عند الاقتضاء، و ذلك ما يسمى علم القراءات أو التجويد ، و يتبعه ما ظهر من المعاني القرآنية في التفسير، و ذلك دليل قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٢٠٤   (الأعراف)

   و أما الطريقة الثانية، و هي العمل به، و هي طريق السائرين إلى رحمات الله، و هو سريان القرآن على الأبدان، باقتفاء آثر سيد ولد عدنان، و ذلك إتيان كل ما أمر به و الإسراع إلى كل ما رغب فيه.. و الامتناع عن كل ما نهى عنه و التوقف عن إتيان كل ما حذّر منه، و ذلك دليل قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (القيامة)..

   و لا يزال العبد السائر في طريق القرآن يُرحم على قدر امتثاله للأوامر و اجتنابه للنواهي في القرآن، و هذا معنى الإيمان به والتصديق به، و هذا هو منهج الراسخين و سير الصديقين.. و هو السير فيه على الأنوار المحمدية.. فالسيرة المحمدية تعكس حقيقة الذات المحمدية العطرة، فأمرٌ فيه العفو أو الصبر أو الإحسان... لا يجب السير فيه على الهوى، و لكن يجب فيه اعتبار المثل الأعلى و المنهج الأرقى، في اتباع الأمر و اجتناب النهي، و هذا هو السير على المنهج النبوي أو السير على النور المحمدي.. وهو المقياس الذي نقيس به، و المنهاج الذي نسير عليه.. هو السلم الذي نقيس عليه.. و هذه هي المرتبة الثالثة..

   روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه حفظ سورة البقرة في ثمان سنين، و لما سئل عن ذلك أجاب، أنه كلما وصل إلى آية لا ينتقل منها إلا بعد أن يطبقها على نفسه و يمتثل بها و يتحلى بها.. لأن فهم الآية لا يكفي و معرفة النور لا يشفي، و لكن السير في النور يشفي الغليل و يبرئ العليل..

   و هذا معنى قول أم المؤمنين عائشة لما سئلت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت رضي الله عنها: كان صلى الله عليه و سلم خلقه القرآن، أو كان قرآنا يمشي على الأرض..

   فهذه الطرق الثلاث يجب مراعاة الترتيب فيها للوصول إلى حقيقة القرآن، و العمل معها بشريعة القرآن، و الوصول إلى القول الحق و الفعل الصدق و الفصل الحاسم الوارد في القرآن..

 

   فالطريقة الأولى أن تقرأه و تسمعه..

   الثانية أن تحافظ عليه و تحفظه..

   و الثالثة هو الذي يدافع عنك و يحفظك..

   و إن شئت قلت:

   التعامل مع القرآن يكون أولا بفن الإنصات و حسن الاستماع..

   ثم تَنتقل معه إلى امتثال الأوامر، و عن النواهي تُقرر الامتناع..

   فإنك إن تحققت بهذا تصل مع القرآن إلى الروعة في الإبداع..

   فالطريقة الأولى عبادة..

   و الثانية مجاهدة..

   و الثالثة مشاهدة..

   أما الأولى فقراءة القرآن عبادة، و ذلك كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لقارئ القرآن بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، و قال الحبيب: لا أقول ألم حرف و لكن ألف حرف و لام حرف و ميم حرف، و يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: إقرأ و ارق، فمنزلتك عند آخر آية قرأتها..

   وورد عن الحبيب عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام أن للقارئ حسنة و للمستمع حسنتان.. و معنى الحديث أن قارئ القرآن يمكن أن يكون قارئا و مستمعا في آن واحد، و ذلك إذا كان يقرأ القرآن و يتدبر معانيه، فيحصل على ثواب القارئ والمستمع في آن واحد.. و ذلك هو الإنصات أو فن الإنصات.. و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم تفلحون..

 فقراءة القرآن عبادة.. و لكنها في بداية..

   أما الطريقة الثانية فمجاهدة.. و ذلك أن ترفع أمره فوق أمرك، و نهيه على نهيك، و تستنير بنوره على ظلمتك، و تلتزم بما ورد في نصوصه بالحجة و البرهان عما مالت إليه نفسك بالهوى و البطلان و اتباع أوامر الشيطان..

   فقراءة القرآن ضرورية مع مراعاة القواعد في قراءته، و تحمل المشاق في تعلمها ، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن و هو ماهر به مع السفرة الكرام البررة.. و من يقرأه و هو عليه شاق فله أجران... .

   و العمل بالقرآن إجباري، و ذلك يسمى استظهاره، ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: من قرأ القرآن و استظهره فأحل حلاله و حرم حرامه أدخله الله به الجنة، و شفعه في عشر من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار..

 

   و أما الطريقة الثالثة: فمشاهدة..

   فإذا كان العبد المؤمن ينشغل و يشتغل بالقرآن في البدايات و هو عليه مثاب  سواء كان بالتلاوة أو بالمجاهدة فإنه إذا وصل مواصل الفحول فإن القرآن ينسكب عليه أسرارا و أنوارا، و هذا مقام من أصبح  وصاله موصولا و سيره بالله موفقا مقبولا، فبعد المجاهدة تكون المشاهدة، و بعد شدة الوقوف بالأبواب يصبح التلذذ بالجناب و معاشرة أولي الألباب و يصح فهم حقيقة الخطاب فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ (الأعراف..)

   فالنور الذي أنزل مع سيدنا و حبيبنا عليه أفضل الصلوات و أزكى السلام هو هذا القرآن.. و هذا القرآن هو النور الذي لا ظلمة معه و الهدى الذي لا ضلال بعده و الرحمة التي لا نقمة فيها و المعرفة التي لا جهالة معها، فظاهره صدق لا ريب فيه، وباطنه أسرار لا نهاية لها و أنوار لمن وصل إلى معرفتها و العمل بها أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ (الأنعام 90)

   فإن كان ظاهر القرآن معجز في اللغة و التنسيق و الترتيب و البيان و الإخبار وفي كل شيء فيه ظاهر، فكيف يكون إعجاز القرآن في باطنه و في سره و في أنواره.. ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ
جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن
يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ ٢٣
(الزمر)..

   فأنوار القرآن في حروفه التي يقرأ بها.. و التشابه فيها و المثاني بين ظاهره السهل الممتنع و باطنه الرفيع الضليع اللا منقطع، فمن اطلع على معانيه الباطنة صال بها في السلوك و المعاني، و رجع أخيرا بعد الدلالات إلى معنى ما ظهر من الآية السلسة السهلة، ومن هذا التناسق و التزاوج بين هذين المعنيين تقشعر جلود الذين يخشون ربهم، لعلمهم الجازم أن هذا من عظمة الله تعظم جاهه و تعزز ركنه و رق وراق قرآنه و بيانه..

 

   و في هذا الطرح المتواضع، أود أن ألفت انتباه المثقفين العرب و المسلمين، و كذلك الباحثين الغربيين، إلى هذه الثروة العلمية التي هُمّشت، و هذه الموسوعة المعرفية التي أُتلفت، التي هي كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.. بذكر بعض من الأنوار و الأسرار عن الحرف القرآني و أسراره و ما تعلمناه عمن تعلموه و شربوه بفضل من الله بالسند المتصل و بفتح رباني من الذي أنزل معه هذا النور صلى الله عليه و سلم و شرف و عظم و على آله و صحبه و سلم..

سميته: أسرار الحروف فوق ما هو مألوف..

   أتناول فيها أنوار الحبيب صلى الله عليه و سلم وعلاقتها بالحرف القرآني، نقلا عن أهل الله و خاصته، راجيا من الله عز وجل أن تتكون خلية ربانية للبحث في هذه الأنوار و هذه الأسرار الربانية لعل الله يعيد للأمة ثقتها بحقيقة القرآن وبرقائق محجة سيد ولد عدنان في الدين و الدنيا، لسبب كما قال أحد الراسخين: إذا التبس الظاهر على أهل الشريعة فلا مخرج إلا في الباطن والحقيقة..

    أوكل في هذا البحث البسيط ربي، جل شأنه و تعظم شأنه، ممرغا وجهي في التراب بين يدي سادتي العلماء بالله، - فما لمثلي أن يتطاول على علم الله العليم الحكيم- ..

   أوكل ربي أن يورثها من هو أحق بها، و أن يطمس عنها عيون و قلوب و همم الذين كتب الله أن يكونوا من المغضوب عليهم والضالين، و أشهد فيها سيدي و حبيبي و نور قلبي، عسى الله أن يكتبني من أهل هذا النور و لا يحرمني بذنوبي و بتقصيري و تفريطي، إن ربي سميع عليم..

   اللهم إنا نشكو إليك علما غار، و حكما جار، و عدوا ثار، و مسلمون عابدون للآثار، و متكالبون على الدنيا آناء الليل وأطراف النهار، اللهم أدرك ممزق الثوب يا عزيز يا غفار، و نقنا بفضلك من الأكدار، و اعصمنا من السوى و الأغيار بجودك وكرمك يا قوي يا عزيز يا جبار، و متعنا بمعرفتك في هذه الدار و بالنظر إلى وجهك الكريم و في تلك الدار.

  اللهم صل على سيدنا محمد باب سرك المصون و سر نورك المخزون و نور سرك المكنون عدد ما كان و ما يكون.. و على آله و صحبه و سلم تسليما..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire