علاقة المسلمين بالإمام:
من المعلوم أنه كثر الكلام في هذا المعنى و كل حلل بما رآه و كل على صواب ضمني لأن كلا من المجتهدين مثاب المصيب منهم و المخطئ، و لكن عندما يتعلق الأمر بتأصيل الأصول و تثبيت الشرائع يختلف الأمر خصوصا في الزمن الذي نعيشه، و خصوصا إذا وجدنا بين أيدينا كحديث حذيفة بن اليمان الذي سبق ذكره و الذي انتهى بالقول الحاسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.. فقلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام.. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)..
و أرى من الضروري فتح حوار في هذا المنحى على الأنوار لتتضح الرؤيا، و الله يعلم أني أقل الناس علما و فهما و لكن بين أيدينا هذه الأنوار المحمدية الشريفة فلنحاول معا أن نستغلها في طاعة الله و رسوله..
فإذا تأكد لنا أن علاقة المسلمين بالإمام هي تثبيت الإسلام بدليل الحديث الشريف: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) وجب علينا إظهار أنوار هذا التثبيت من خلال حروفه في كلمتي الإسلام و الإمام فإننا نجد ما يلي:
1) تجتمع الكلمتان في الثلاث ألفات لامتثال أمر الله العزيز الحكيم، فتكون في الإمام على النحو التالي:
أ - الألف الأولى لتثبيت مقام الامتثال بما يليق بمنصب الإمام الذي يوقع نيابة عن سيدي ولد عدنان سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام.
ب – الألف الثانية يتلقى بها أنوار الامتثال..
ج – يلقي بها أنوار الامتثال كما تلقاها ببصيرته..
و لنرجه إلى الألف الثانية تبيينا و توضيحا، فالألف الثانية يتلقى بها أنوار الامتثال من كتاب الله تعالى و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و لكن ببصيرة كما قال تعالى: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ)، فالدعوة إلى الله على بصيرة هو نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في التبليغ، و هو نهج من تبعه من أئمة المتقين و العلماء العالمين اقتفاء لأثره و نهجه و محجته، و هذه الكلمة الدالة ( بصيرة) التي وردت في كتاب الله مرتين في هذه الآية الكريمة و في سورة القيامة من قوله تعالى: (بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ ١٤ وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ ١٥) و هنا ينجلي سرها و يشرق نورها، بمعنى: أن الله تعالى جعل للإنسان بصيرة على نفسه و لو لم تكن على غيره، فبها يعرف قصد فعله و مرمى قصده في كل فعله (وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ) و لو لم يعترف بذلك جهارا متأبطا بمعاذير، و المعنى أن رسول الله يدل على الله تعالى بحجة و برهان و يقين و اطمئنان أن ما به دعا إلى الله هو وحده الموصل إلى الله، و كذلك من ورثه في الدعوة إلى الله، فلا تكون دعوتهم إلا على بصيرة، و أنوار هذه الكلمة الدالة عظيمة وهي في حروفها و من أمعن النظر فيها لا تجانبه الأسرار و لا تعوزه الأنوار و هي بعجالة كما يلي:
الباء من حروف الرسالة و لها سكون الروح في الذات سكون المحبة و الرضا و القبول..
الصاد من حروف الآدمية و لها العقل الكامل رصانته و لبه و حنكته..
الياء من حروف النبوة و لها من الأنوار الخوف التام من الله عز و جل..
الراء من حروف البسط و لها حسن تجاوز الأحوال و الحالات بحيث لا يؤثر فيه أثر الحال و لا يعلق به فيكون في تبليغ أمر الله أثر مما هو فيه..
الهاء و هي من حروف القبض و لها النفرة عن الضد، و هذا مقياس الفقهاء الصالحين و العلماء العاملين، وهو نور عظيم يختلف حسب اختلاف المقبل على النور كل حسب دمه و طبعه و ميله.. فلا يركن إلا لله و لا يركن إلا بالله..
2) تجتمع الكلمتان في ميمين، و معلوم أن الميم من حروف الآدمية و لها الذكورية و هي بمثابة اللاقح أو الضامن للاستمرارية بالنسبة للكائنات و للمكونات، فالميم الأولى بركة و ضمان لما أبرز و ظهر مما هو كائن، أما الميم الثانية فهي ضمان و حكمة لمكونات هذا الشيء، يعني الموجودات الدقيقة العجيبة التي يتوقف عليها هذا الكائن و التي لا سيطرة له عليها و إنما وجوده و إبقاؤه موقوف عليها، و ذلك كالذرة و النواة و الشحنة بالنسبة للجماد، أو كالخلية و ما فوقها و دونها بالنسبة للأحياء..
أما ما بقي من الحروف فهو يتعلق بالكلمة الثانية التي هي الإسلام و بقي منها السين و اللام، أما السين فهو للإستسلام و نوره خفض جناح الذل لنيل ما بعده من الأنوار و هو اللام و نوره العلم الكامل بالطريقة والحقيقة كل على حسب طاقته..
0 Commentaire(s)