أمراض القلب

- القلوب الآثمة :

يقال أثم يأثم الرجل إذا أذنب وعمل ما لا يحلّ.. والإثم هو الذنب الذي يستحق صاحبه والعقوبة، وجمعه آثام.. ومن مرادفات الإثم: الخطأ والذنب والمعصية والسيئة والبغي... ولكن كل بظلماته وأكداره وكل له وقع على سلوك الإنسان وإيمانه، وآثار على قلبه ثم وظائف أعضائه (هذا ليفتح المجتهدون أبواب البحث لاكتشاف هذه الدرر)..

والإثم صفة تحلق بالآثم أو بقلبه قال ربنا: " وَلَا تَكتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكتُمهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِم قَلبُهُۥۗ " فكتمان الشهادة موجب لإلحاق الإثم بالقلب، أما الأضرار على التكوين والقلبي وسلوكه فهي كما تنطق بها أنوار الكلمة "َءاثِم" فمن كتم الشهادة تنتقص فيه نور الامتثال "ا" ويفتقد الإنصاف "ث" ويقل نفعه ويكثر ضرره (هكذا بعجالة) وفي آية أخرى جاءت بصيغة مباشرة للإثم قال ربنا: "وَٱلَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَٰلِكَ يَلقَ أَثَاما" فهذه الكبائر كما صنفها رسول الله ﷺ بأكبر الكبائر وهي الشرك وقتل النفس بغير الحق والزنا، ومن فعل ذلك: "يَلقَ" وهي آثار الآثم الواقعة على الفرد، و "أَثَاما" وهي السلوك الظلمانية المترتبة..

مثال قريب للتوضيح: إذا قال ربنا: " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ ٱلمَيتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحمَ ٱلخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضطُرَّ غَيرَ بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثمَ عَلَيهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيمٌ " فظلمات "حَرَّمَ " هي الأعراض والأمراض الملحقة بالمقترف لآكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وذلك أنه يفقد الرحمة (ح) وحسن التجاوز (ر) والنفع للمخلوقين (م).. وهذا باب نفتحه وتحدي نرفعه!!! أمام الأحرار من أهل العلم والتخصص أن: من يأكل الميتة ولا يتحرى دماءها ويأكل ما لم يذبح لله فإنه يستحيل أن تكون فيه (رحمة أو أن يتغلب على تجاوز الأحوال أو يكون منه نفع للعباد أو البلاد)... والإعجاز في الآية أن من أكل ما حرم أكله مضطرا فإن ينجو من أعراض "إثم" والمعنى أنه لا يفقد الامتثال ولا الإنصاف ولا النفع.. فكيف تحصل هذه المنعة وكيف يكون هذا الحصن؟  وفي كل ما جاء في آي الله العظيم الحكيم بوصف "حرم" فإن له نفس الحكم كقوله تعالى: " وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلبَيعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْ" فآكل الربا تكون نفس الأعراض، وقوله تعالى: " قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثمَ وَٱلبَغيَ بِغَيرِ ٱلحَقِّ وَأَن تُشرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِۦ سُلطَٰنا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ" وكل ما ذكر في التحريم ندخله في التحدي السلوكي لأهل التخصص وبالله التوفيق..

مثال غيره: " يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا ٱلخَمرُ وَٱلمَيسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزلَٰمُ رِجس مِّن عَمَلِ ٱلشَّيطَٰنِ فَٱجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ" فمتعاطي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام "مصاب بكل تأكيد" (بالتأثر بالأحوال لظلمة الراء) و(الجزع وعدم الصبر لظلمة الجيم) و (والكبر والعلو لظلمة السين).. وهذا كذلك باب للبحث نفتحه، وتحدي للإعجاز نرفعه!!!

وإذا رجعنا إلى مادتنا في " يَلقَ أَثَاما" فأعراض يلق هي ما يصاب بها القلب والجسد (وذلك أنه يقل خوفه من الله ويتجرأ على المعاصي والمخالفات"للياء"، ويكثر جهله وإن كان حافظا لمتون الكتب "للام"، ويكون له الطمس ولو كان أذكى الناس "للقاف") وأثاما هي الظلمات المقترفة، وهي العصيان وعدم الامتثال مثلثا بين الإنصاف للثاء والنفع للميم (فافهم واختبر)..

أما حرفنا للإعراب النوراني في هذه المادة من كلمة "ءاثم" فهو الألف فنقول :

الألف: له امتثال أمر الله تعالى.. وللعلم، فإن الألف هو سيد الحروف والآخذ بناصيتها والجامع لكل أنوارها وأسرارها.. وفي اللغة يقال امتثل الأمر إذا أطاعه واحتذاه.. فإذا قيل في الأوامر العسكرية: الطاعة والامتثال، فإن الطاعة تتعلق بقبول الأمر خاليا من كل رفض أو تمرد أو عصيان، لكن الامتثال يتعلق بتطبيقه على الوجه المطلوب والمنهج المرغوب قال ربنا: " وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيتُم فَٱعلَمُواْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلبَلَٰغُ ٱلمُبِينُ" فطاعة الله ورسوله تكون بالإيمان والقبول وشروط الامتثال موقوفة على عدم التولي والتقهقر في الأمر.. وكذلك في قول ربنا: " يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّواْ عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعُونَ" وقول ربنا: " وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَٱصبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (الآية)" فعدم التنازع والصبر من الامتثال... فإن كانت الطاعة ما وقر في القلب (كما قال الرسول الكريم) فإن الامتثال ما صدقته الجوارح .. ولذلك كان أمر الألف ونوره في التطبيق الإسلامي والالتزام الإيماني والاجتهاد الإحساني... حتى يتخطى العبد هوى نفسه، ويتغلب على كيد الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه.. فامتثال أمر الله فرار إلى الله بالله من غير الله (فافهم وامتثل)..

وامتثال أمر الله ساري سره في كل الحروف كما سبق ذكره، وبذلك يكون امتثال في الأمر نور من الأنوار (يعني امتثال بنور كل حرف من الحروف)، فإذا تعلق الأمر بمنتهى علم التوحيد يكون مشروط فيه الامتثال قال ربنا: " فَٱعلَم أَنَّهُۥ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ " وقول ربنا: " وَأَن أَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ "... ومن سره أن يعدها في أركان الدين بين الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة فإنه يجد ما يقوّم السّير ويحفظ السّر بحكمة بالغة ودقة متناهية في 47997 امتثالا لأمر الله على عدد تكرار حرف الألف في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من غير تكرار ولا ازدواجية ولا معاودة، ولكن كل أمر قائم بنوره ممثل له وحامل لسره ودافع به أمرا ورافع به قدرا، والله يقول الحق ويهدي السبيل..

وكذلك الأمر في مجموع الحروفية التي جمعت في كتاب الله تعالى (ونحن في امتثال أمر الله) فكل حرف ألف أينما حل وحيثما كان في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها فهو يدل على نور من أنوار امتثال أمر الله (يجب أن نعتبره ابتداء ونختبره استنباطا) ولو لم  يظهر ذلك للقارئ جليا فإنه ثابت في طي كل ألف ثابت، لأنه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، وهذا مثال على ذلك فيما يلي:

نكتة نورانية: في اختبار ثبوت الألف وحذفها في كتاب الله وسر امتثال أمر الله فيها..

إذا بحثنا في كتاب الله العظيم في إثبات الألف وحذفها (أحيانا في نفس الكلمة) كإثبات ألف (سعوا) في سورة الحج وحذفها (سعو) في سورة سبأ (فتأمل معي هذه الدقة الحروفية في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل) قال ربنا في سورة الحج: "وَٱلَّذِينَ سَعَواْ فِي ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰئِكَ أَصحَٰبُ ٱلجَحِيمِ" جاءت بالألف الثابت في آخرها، فإذا نظرنا إلى الآية التي سبقتها نجد قول ربنا: " فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغفِرَة وَرِزق كَرِيم" فهو ترغيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم مغفرة للذنوب وفتح باب للأرزاق الكريمة، فالأمر متعلق بانتقاء الأعمال وارتقاء الأحوال، فامتثال الأمر بإثبات الألف مطلوب في انوار "سعوا".. وأما في قوله تعالى في سورة سبأ " وَٱلَّذِينَ سَعَو فِي ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰئِكَ لَهُم عَذَاب مِّن رِّجزٍ أَلِيم" فكلمة "سعو" وجدت بدون ألف الامتثال، والسر في ذلك أن أهلها انتهت منهم صلاحية الامتثال لأنه وصف ليوم الحساب، ودليله ما سبق الآية من قول ربنا: "لِّيَجزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰئِكَ لَهُم مَّغفِرَة وَرِزق كَرِيم وَٱلَّذِينَ سَعَو فِي ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰئِكَ لَهُم عَذَاب مِّن رِّجزٍ أَلِيم... " فالمغفرة والرزق الكريم نصيب المؤمنين في الآخرة، والعذاب من الرجز الأليم عقوبة المعاجزين والذين سعوا فيها، فلم تبق لهم صلاحية الامتثال بأنوار سعوا ولكن بقي لهم العقاب على التفريط والعذاب على الإفراط، وانظر إلى ما سبق من الآية قال ربنا: " وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأتِينَا ٱلسَّاعَةُ، قُل بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُم عَٰلِمِ ٱلغَيبِ لَا يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّة فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلأَرضِ وَلَا أَصغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰب مُّبِين..."

وكذلك الأمر في كلمة "جاءو" من قوله تعالى: " إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلإِفكِ عُصبَة مِّنكُم لَا تَحسَبُوهُ شَرّا لَّكُم" فالفعل صدر في الماضي ولم يبق منه إلا جزاء ما فُعل من عمل الإفك.. وكذلك الأمر في قوله تعالى: " فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَد كُذِّبَ رُسُل مِّن قَبلِكَ جَآءُو بِٱلبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلكِتَٰبِ ٱلمُنِيرِ" والآية تحكي عن الأمم الخوالي وما كتب عليهم من تكذيب الرسل..

والأمثلة كثيرة والعبر غزيرة والغوص في معانيها مطلوب في كتاب الله تعالى، فما سر حذف ألف الامتثال في "جاءو" في ست مواقع من القرآن، و " باءو" في ثلاث مواقع، و" فأن فاءو" في الفرقان و" وعتو عتوّا كبيرا" في البقرة و" و الذين سعو" في سبأ " و الذين تبؤّو الدار" في الحشر... وما سر إثباتها ءامنوا وكفروا ونسوا الله ولا تدعوا وإذا دعوا وأساءوا واشتروا واعتدوا وءاذوا وغدوا واتقوا وولوّوا وولوّا وءاووا وتدعوا وترجوا... وسر زيادتها في " يبدؤا " و " تفتئوا " في يونس و" يعبؤا " في الفرقان... وما السر في إثباتها وحذفها في" أَسَــٰـئُوا السُّوأَى " في الروم...

أريد أن أختم بآخر نكتة بالغة في الحكمة في كلمة "باءو" من قوله تعالى: " ضُرِبَت عَلَيهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلمَسكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَب مِّنَ ٱللَّهِ" فالذلة والمسكنة حكم دنيوي امتياز، والبوء بغضب الله حكم نهائي (والمشروط أن يكون يوم القيامة) الأمر هنا أنه وصف لبني إسرائيل والحكم فيهم من الحكم العدل وذلك يظهر فيما يأتي من الآية: " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم كَانُواْ يَكفُرُونَ بِايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقتُلُونَ ٱلنَّبِيِّنَ بِغَيرِ ٱلحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعتَدُونَ" فلا خير يرجى منهم، فقد اجتمعت فيهم شعب الظلم السبعين كما أخبر بذلك ربنا في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل (فقط يجب إحصاؤها والتحرز منها) كما يجب إحصاء شعب الإيمان التي هي منهج الرسول الكريم وعنوان الصراط المستقيم (وإلى الآن لم تحص مع الأسف الشديد) والله يقول الحق ويهدي السبيل..

هذا كتاب ربكم (الذي بين أيديكم) وهو سبحانه القائل فيه: " إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا ٱلذِّكرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ " فالذي نزل الذكر هو الذي يحفظه، ومن شك أن فيه زيادة او نقصان، فليجدد إيمانه وليعد شهادته، وكتاب الله توقيف من الرسول الكريم، ولا دخل للصحابة ولا لغيرهم فيه ولو بقدر أنملة، فإنه غض طري كما أنزله الله، فكن لله شاكرا وخذه بقوة وكن به ذاكرا ومتذكرا.. هو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به نجا ومن أعرض عنه هلك، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل.. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم... وبالجملة.. كل من ثبتت قدمه في الثناء على كلام الله فإنما هو ثبات على منهج رسول الله وتعطير لفمك ورفعة لذكرك بذكر الله.. (فأقلل أو أكثر، ولا تمنن نستكثر.. وربك فكبر)..

أخي الكريم.. لو كان عمرك دهرا، ودقيقتك شهرا، وجمعت همة وفكرا، للإحاطة بأنوار هذه الحروف وأسرارها في كتاب الله ما استطعت لذلك سبيلا، ولو اجتمعت لك الجن والإنس وكانوا لبعضهم ظاهرين وعلى المنهج قائمين.. هذا كتاب الله.. فخذه بقوة  وكن لله من الشاكرين.. وهذا جدول جمعت فيه ما تيسر من ترتيب الحروف وأنوارها كما وردت في كتاب الله تعالى، وهو بحث أولي لعله يكون لبنة لبحث ذوي الهمم من الصالحين والمجتهدين، وهو كما يلي:

ويجمعهم قولك: ألنٍ  مَيْوَهٍ  رَبْتَكٍ  عَفْقَسٍ  دَذِلًا  حَجَخٍ  شَصَضٍ  زَثَطٍ  غَظٍ

ولمن أوقفه الله على خصوص التعداد وجدولة الأعداد وهندسة المساحات والأركان والأوتاد، فإن لهذا الترتيب سر عظيم، وعده يبدأ بالأقصى وينزل (فافهم) ومن عرف تعداد خاصة الخاصة ففيه الاسم الأعظم والتنفيذ الأقوم، ولا يجوز قول أكثر من ذلك، ومفتاحه في سورة الشرح العظيمة وبالله التوفيق..

- القلوب المقفلة :

يقال قفل يقفل في اللغة بمعنى أغلق أرصد وأطبق... وعكسه فتح وأفسح وأشرع... فالقلوب المقفلة مغلقة ومرصدة، ولا يكون ذلك إلا بموجب أقفال، فإذا قال ربنا " عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا" فلأنها أقفال على القلوب حقيقية (وليست كناية كما يدعي البعض) وقد طال عمرنا حتى رأينا بأم أعيننا أقفالا للبرامج وللأجهزة.. منها بالإشارة ومنها بالإماء (وكلها سلوك إغلاق من شأنها إقفال القلوب وإرصادها) وقد يقفل القلب عدة مرات يوجب حلا لكل قفل على حدة، أما الفتح فواحد، يوصل بعضه بعضا كما وصف ربنا الظلمات والنور:" ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ، وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَولِيَاؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِ" فالظلمات يوصل بعضها بعضا ولا يحل بعضها بعضا، وأما الأنوار فموصلة لبعضها..

فأقفال القلوب كما وردت في الآية مستمدة من التولي السلوكي في الإفساد في الأرض " فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُواْ فِي ٱلأَرضِ" فكل إفساد في الأرض نقيض كل إصلاح فيها، "وَتُقَطِّعُواْ أَرحَامَكُم" وكل رحمة تصلها أو تصل بها هي رحِم، وقطعها قطع لرحمة الله، وقاطعها مستحق لعنة الله "أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ" والصمم والعمى مبتدا العلل "فَأَصَمَّهُم وَأَعمَىٰ أَبصَٰرَهُم" والطمس عن رحمات الله منتهاها في تدبر القرآن العظيم واتباع منهج الرسول الكريم والاهتداء على الصراط المستقيم " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا".. هكذا تقفل القلوب، فلا يرى صاحبها ولو تهيأ له أنه يرى ولا يسمع ولو تخيل أنه يسمع، ولا يستطيع أن يتدبر القرآن ولو كان له قارئا وبه مغنيا (أما المبعدون عنه فهم في أقفال مرصدة)...

أما من حيث إعراب الحرف الأول من الكلمة فقد سبق في الألف والقاف التمهيد لهما وبالله التوفيق..

- القلوب المطبوعة :

يقال: قلب مطبوع أو غليظ الطبع إذا كان جامدا وعتلا وسمِجا وجافا وجِلفا... وعكسه: اللين والظرافة واللطافة ولين الطبع وخفة الظل وخفض الجناح... قال ربنا: " كَذَٰلِكَ يَطبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلبِ مُتَكَبِّر جَبَّار" فالتكبر والتجبر مدعاة لطبع القلوب..

وجاءت هذه العلة القلبية في كتاب الله تعالى على نحو 11 مستوى وصنف من الطبع، يجب إحصاؤها للتعرف على أسبابها وتشخيص ما يصيب الجسد من مخلفاتها وتأثيراتها.. أما الخلل الذي يصيب القلب فهو ما يعرب من أنوار حروف كلمة "طبع" أو "يطبع"... وهي كما يلي:

   - الطاء لها التمييز، فأول ما يصاب به المطبع قلبه هو إغلاق العقل والضم والغباء والمزج والجهل، فلا تبقى فيه فطنة ولا إدراك ولا ذكاء ولا نباهة..

    - والباء لها سكون الروح في الذات بالمحبة والرضا، فيصاب المطبع قلبه فعلو النفس والاستكبار، فتتجافى مع الروح وينقطع التواصل الروحي الرباني وتكبر فيه جلفة الطبع وسماجتها..

    - والعين لها العفو، والمطبع قلبه يطغى على طبعه الانتقام والكيد والعدوانية... أما إذا سبقت الكلمة الياء فهي تفقد المطلع قلبه الخوف من الله تعالى مقابله الخوف من كل شيء والرعب من أي شيء، وإذا سبقه النون يفقد فرحه بالله ويستأنس بالفرح بكل زائل وكل لعب ولهو وعبث... (هذا باختصار فافهم)

  وإذا أردنا تشخيص أثر طبع القلب على الأنفس والأجساد فإننا نجده في الآيات البينات ما يلي :

   - الطبع المخرج من الإيمان والموجب للكفر :

وهو الطبع الذي المستحق في بني إسرائيل ومن كان على شاكلتهم، الذيم مردوا على نقض المواثيق والكفر بآيات الله تعالى، وقتل الأنبياء بغير الحق، وكذلك من كان على منهجهم لمجرد إيمانهم.. وذلك في قوله تعالى: " فَبِمَا نَقضِهِم مِّيثَٰقَهُم وَكُفرِهِم بِ‍ايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتلِهِمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ وَقَولِهِم قُلُوبُنَا غُلفُ، بَل طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيهَا بِكُفرِهِم فَلَا يُؤمِنُونَ إِلَّا قَلِيلا "

   - الطبع المفقد للتفقه والموجب للغرارة والجهل والطيش :

وهو طبع المتخاذلين والمتقاعسين عن واجب نصرة الدين والدفاع عن المنهج القويم والرضا بالجلوس مع الخوالف قال ربنا: " وَإِذَآ أُنزِلَت سُورَةٌ أَن ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱستَ‍ذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّولِ مِنهُم وَقَالُواْ ذَرنَا نَكُن مَّعَ ٱلقَٰعِدِينَ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم فَهُم لَا يَفقَهُونَ" فهذا النوع من طبع القلب يوجب عدم التفقه وسلبه وتعطيل مهام العقل في هذا التوجه، فيصاب مطبوع القلب بالجهل والطيش في قراراته والغرارة في توجهاته ويفقد نور التفقه في الأمور وعواقبها..

   - الطبع المحبب الدنيا الفانية على الآخرة الباقية (الموجب للغفلة) :

وذلك يطبع به من كفر بالله بعد إيمانه قال ربنا: " مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعدِ إِيمَٰنِهِ..." وهذا تبينه الآية وسببه قال ربنا: " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱستَحَبُّواْ ٱلحَيَوٰةَ ٱلدُّنيَا عَلَى ٱلأخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلكَٰفِرِينَ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِم وَسَمعِهِم وَأَبصَٰرِهِم وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلغَٰفِلُونَ" فهذا النوع من طبع القلوب يصاب به الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وهو كفر موجب لطبع القلب ومعه السمع والبصر، وهو موصل إلى درجة الغفلة " ٱلغَٰفِلُونَ" ومستحق لجميع ظلم الكلمة وجميع أكدارها..

  - الطبع الموجب لإتباع الأهواء :

   وهو طبع يقع فيه السامع لقول الحق وهو مستخف به أو لاهٍ عنه أو مشغول بغيره قال ربنا: "وَمِنهُم مَّن يَستَمِعُ إِلَيكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِن عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًا" وحضور رسول الله ثابت بحضوره الشخصي في حياته أو عند سماع حديثه الشريف وقوله المنيف وكذلك عند اتباع سنته واقتفاء ملته وشرعته باتباع أنواره واختيار مساره ﷺ.. قال ربنا في حق المتهور المستهتر بسنة رسوله الكريم: " أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِم وَٱتَّبَعُواْ أَهوَاءَهُم" (وكثير ما هم في زماننا ومن بني جلدتنا)..

   هذا نموذج للبحث في أمراض القلوب ومعرفة أساب إصابتها وتشخيص مختلف عللها وتأثيرها على مختلف الجسد، وعلى الله قصد السبيل في توجيه ذوي الهمم من أهل التخصص وبالله التوفيق..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire