القلوب السقيمة والعليلة والمريضة

القلوب السقيمة والعليلة والمريضة :

أريد أن أعرج على مرض القلوب مرة أخرى لتثبيت المعاني وتخصيص المقاصد من بنيانها، فنجد إثبات وجود المرض في القلب بالسلوك الظلماني تارة، وأخرى بما خلفه المرض القلبي على السلوك القلبي أو الجسدي وتارة تذكر الآية العنصرين معا  كقوله تعالى: " يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضا فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض يُسَٰرِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَة" فعنصر المخادعة هو سبب المرض: يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ، فيصاب القلب بجنس المرض: وَمَا يَخدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم.. فيصبح الخداع مرض سلوكي في القلب سرعان ما يتحول إلى نقل مرض أو أمراض إلى باقي الجسد وذلك ما تبينه الآية: فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض يُسَٰرِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَة.. فالمسارعة دليل على غياب الثقة والطمأنينة، الناجمة عن الخوف مما يأتي والخشية من سوء ما يتصور أنه يكون...

فالمطلوب هو النظر إلى هذه العناصر (أو ما ظهر منها) وربطها بما يحتمل أن يكون سببها، حينها يكمل التشخيص (ولو جزئيا) في باب ظاهر.. فإذا ظهرت أعراض الاكتئاب على المريض أو اضطرابات القلق أو اضطرابات الثنائية القطبية... فلينظر إلى مشكاة المسارعة من "يسارعون فيكم" وهل وصلت إلى رهاب "نخشى أن تصيبنا دائرة" فإن كان الأمر كذلك فليسكن بما يوجد في خزائن الصيدليات وأصل العلاج في استئصال علقة الخداع في الدين والمخادعة للمخلوقين (انتهى)..

مثال ثاني: إذا نظرنا إلى وجه آخر من أمراض القلوب الذي يترجم بتخصص مرضي آخر، ويكون هو السبب في الإصابة الأولية ومثاله في قوله تعالى: " وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَتهُم رِجسًا إِلَىٰ رِجسِهِم وَمَاتُواْ وَهُم كَٰفِرُونَ " هذا النوع من المرض القلبي يكون سببا من اقتراف عمل "رجسي" فينشأ المرض الذي يمكن أن يستشف من أنوار وأكدار كلمة "رِجسًا" وهي أربعة حروف وإعرابها النوراني كما يلي:

الراء: لها من الأنوار: حسن التجاوز، ومن الأكدار: الوقوف مع الأحوال والتفاعل السلبي معها.. فالحرف له علاقة مباشرة مع العقل والجهاز العصبي، والوقوف مع الأحوال فيما يعجب يسبب الكبر والعلو والإعجاب، والحُزن الشديد يسبب اضطرابات الحَزن والفقد والاكتئاب... والباحث في الأدب الطبي يرى اضطرابات الصحة المتعقلة بهذه الظلمة السلوكية في طريقة تغيير التفكير وإثارة مراكز المكافأة في الدماغ مع مشاكل القلب والتأثير على الجهاز المناعي مع ما ينجم عنه من اضطرابات الجسد وإصابات أطرافه...

الجيم: له من الأنوار الصبر.. ومن الأكدار قلة الصبر والجزع والسأم والضجر... ولظلمة الحرف علاقة مع الجهاز العصبي من جهة والإحساسي من أخرى، فكما يسبب قلة الصبر الجزع والضجر فإنه يجر معه مجموعة من الأعراض على العقل والجهاز العصبي وكذلك على القلب ووظيفته فتشأ أمراض على طريقة التفكر الشاذة والصحة النفسية عامة والإحساسات والقوة القلبية فتنتقل الأعراض إلى الجهاز التنفسي وإلى مستوى الغدد وكل ما يتبع ذلك من امراض وأعراض على مستوى الجسد...

السين: له من الأنوار خفض جناح الذل.. ومن الأكدار: الكبر والعلو والرفعة... وللظلمة ارتباط بالإحساس والأفعال فذلك علاقته بالقلب وبكل الجلد (كل الجسد)، والكبر يجر الظلم والعلو يجر الكيد والرفعة تجر الحسد... وتصور ما يمكن أن يصاب به الجسد من أكدار وأضرار...

الألف: له امتثال أمر الله تعالى.. وظلمته العصيان والتمرد والمخالفة والانتهاك... والألف أساس الأنوار فظلمته إذا أساس كل الظلمات، وبما أن الامتثال للحقيقة والطبيعة والشريعة اجتماع بكل أصل سلوكي قويم ودخول في تفاصيل كل خير عميم، فإن عصيان الأمور الحقيقية والتمرد عليها تدخل صابها في كل خلل دق أو جل وتورثه عدم الاستقرار والاستقامة وتجر عليه كل خيوط الخيبة والندامة، فلا يستقر له حال ولا يهدأ له بال ويكون عرضة لكل الأمراض والأعراض والنكال...

فالمستفاد من هذه الأمثلة (ومثلها كثير وتعدادها مشروط والعمل على استنباطها مطلوب) بالنسبة لأهل التخصص.. وبيان ذلك في مثالنا الاستشهاد بما سبق الآية أو تلاها وذلك في قوله تعالى: " وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَتهُم رِجسًا إِلَىٰ رِجسِهِم وَمَاتُواْ وَهُم كَٰفِرُونَ " قوله تعالى: " أَوَلَا يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنُونَ فِي كُلِّ عَام مَّرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُم يَذَّكَّرُونَ " فعدد الفتن متوقف على عدد الظلمات وتشعبها، وعدم التوبة والتذكر متوقف على طريقة قفل القلوب وإغلاقها... (فافهم)

- القلوب اللاهية :

اللهو في اللغة هو اللعب والتشاغل والغفلة عن الشيء المهم بما فيه تسلية (حسب ما يتراءى للاهي) فيقال لهى عن الذكر إذا غفل عنه واشتغل بغيره من أمور اللغو قال ربنا:" وَإِذَا رَأَواْ تِجَٰرَةً أَو لَهوًا ٱنفَضُّواْ إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِما" ومن يُكثر اللهوَ أو يُدمنه يصاب قلبه بهذا المرض العضال فينتقل العبث واللهو إلى سائر أقواله وأفعاله وأحواله قال ربنا: "ٱقتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم فِي غَفلَة مُّعرِضُونَ، مَا يَأتِيهِم مِّن ذِكر مِّن رَّبِّهِم مُّحدَثٍ إِلَّا ٱستَمَعُوهُ وَهُم يَلعَبُونَ لَاهِيَة قُلُوبُهُم" فمن سقط في الغفلة عن الحق انساق إلى الإعراض عنه بتشخيص دقيق: الاستماع إلى الحق مع اللعب والعبث.. هذه علامة القلوب اللاهية!..

ومن تأمل التركيبة النورانية لكلمة "لَاهِيَة" يجد فيها أولويات في التنفيذ وشروطا في الالتزام، أما امتثال أمر الله في الألف فجاء مسبوقا بلام العلم الكامل (وذلك تركيب "لا" لعدم الغفلة، فيجب أن تعلم ليصح منك ما تعمل به)، وياء الخوف من الخوف من الله جاءت بين نفرتين عن الضد، أما النفرة الأولى فلتصحيح الخوف من الله والقصد به، وأما الثانية فلتسييجه ونفي الغلو به.. وهذا إعجاز سلوكي لا نظير له، والغافل عنه ساقط في اللهو والضلالة أو راكب الغلو لا محالة، وقد اختلطت الأوراق في زماننا بين التفريج عن القلوب وتخطي حواجز لهْوِ القلوب، فأصبح الجد هزلا، وعدم امتثال أمر الله معتادا وسهلا، واختلطت المخاوف فكان أهونها الخوف من الله، كل ذلك من لهو القلوب، ورسولنا الكريم يقول:"... وإياكَ وكثرةَ الضَّحِكِ، فإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ فسادُ القلبِ" وقال ربنا: " أَفَمِن هَٰذَا ٱلحَدِيثِ تَعجَبُونَ وَتَضحَكُونَ وَلَا تَبكُونَ..." (فافهم)

فلهو القلوب علة زمان ومكان، تساهل الناس معها بدعوى: الترويح على النفوس (وهي مريحة) فاتسعت رقعة الترويح بما لا يجب حتى ضيقت على ما يجب، فانتقلت عدوى اللهو بين الأقوال والأفعال فتعطل شحن الهمم بالجد وفسدت الأحوال... وصدق علينا قول ربنا: " مَا يَأتِيهِم مِّن ذِكر مِّن رَّبِّهِم مُّحدَثٍ إِلَّا ٱستَمَعُوهُ وَهُم يَلعَبُونَ لَاهِيَة قُلُوبُهُم وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَل هَٰذَا إِلَّا بَشَر مِّثلُكُم" فعلامة القلب اللاهي إسرار النجوى (ومعناها أن يكلم الشخص نفسه، أو كأنه إيحاء بالباطل) وهو تماما عكس البصيرة التي هي إشهاد حقيقي بالواقع، ومنتهى دلالة القلب اللاهي أن يشكك في كل حق لإبراز كل باطل.. فيصبح الجد لعبا ولهوا والعصيان متناولا والتمرد متداولا..

مهمة جديدة :

آن الأوان أن نبدأ بحثا نورانيا جديدا في غاية الأهمية: هو إعراب الحروف العربية مع إلحاقها بوظائف الأعضاء (أو على الأقل نفتح باب البحث أمام أهل التخصص، فهم وحدهم لهم الصلاحية في حسم الإعراب).. فنبدأ بالكلمة الأولى" لَاهِيَة قُلُوبُهُم"، ونكتفي بإعراب الحرف الأول من كل كلمة لضيق الحيز الزمني من جهة ومن أخرى نريد أن نألف الإعراب ونستأنس بمعانيه..

عندنا الحرف الأول من لاهية: حرف: " لَا" وله من الأنوار: "عدم الغفلة" ومعناه اليقظة والفطنة والتنبه... (فلا يدع اليقظ الفطن خيرا إلا اغتنمه ولا برا إلا فعله وصلاحا إلا نهل منه) وضده: "الغفلة" وهي السهوة والسقطة والذهول والعثرة والطيش... (وسيأتي وصف القلوب الغافلة)..

ورد حرف "لا" في كتاب الله بكل أوجه إعرابه جامعا لكل أوجه عدم الغفلة، وأعظم تنبيه له في كلمة التوحيد: " لَّاإِلَٰهَ إِلَّا هُوَ" أو " لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ" فإعراب اللغة لـ"لا" النافية للجنس (نفيا مطلقا لكل جنس له حق في التأله) فيكون التعامل معه بالقلب ومعتقده والعقل وفكره والجلد وفعله والحواس كلها، فنور الحرف له علاقة مع كل الجسد حتى القطرة في أوداجها والخلية في نساجها وهذه بعض معانيها:

   + في القلب وعقيدته: قال ربنا: "وَٱلَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ" وقول ربنا: " وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ " وقول ربنا: "أَن لَّا تُشرِك بِي شَيئا "... فعدم الغفلة مشروط في كل أنواع الشرك، ومحله القلب ومعتقده وتصديقه بكل جارحة في الجسد..

   + في العقل وفكره: قال ربنا: " فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلأَمرِ" وقول ربنا: "إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءُو بِٱلإِفكِ عُصبَة مِّنكُم لَا تَحسَبُوهُ شَرّا لَّكُم" وقول ربنا: " وَلَا تَحزَن عَلَيهِم وَلَا تَكُن فِي ضَيق مِّمَّا يَمكُرُونَ " وكل نفي أو نهي إنما هو تنبيه بعدم الغفلة فيه..

   + في الحواس ومهامها: قال ربنا: " فَإِنَّهَا لَا تَعمَى ٱلأَبصَٰرُ " وقال ربنا: " وَلَا تَقبَلُواْ لَهُم شَهَٰدَةً أَبَدا " وقال ربنا: " وَلَا تُخَٰطِبنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ " فأمر عدم الغفلة متعلق بالحواس كما هو واضح...

   + في الجسد ووظائف أعضائه: قال ربنا: " ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَو مُشرِكَة وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَو مُشرِك" وقول ربنا " رِجَال لَّا تُلهِيهِم تِجَٰرَة وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ " وقول ربنا: " وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنيَا" وقوله تعالى: " وَلَا تَعثَواْ فِي ٱلأَرضِ مُفسِدِينَ " فكلها متعلقة بوظائف الجسد الظاهرة...

لعل هذا المثال في حرف "لا" ونورها "عدم الغفلة" وبها يتضح أن الحرف جامع، وله علاقة بالقلب والعقل والحواس وباقي الجسد، وهذا إنما يدل على ظلمة الحرف يمكن أن تصيب مجموع الجسد بأعراض مختلفة حسب طبع الغفلة وانتمائها وما ينجم عنها أو ما يتأثر بها أو منها (ولعل البحث أعمق من هذا وأدق منه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا)..

- القلوب القاسية :

يقال قسا الشيء يقسو إذا تصلب واشتد وغلظ، وقسوة القلب كناية على فضاضته وقسوته، والأصل فيه ليانته بسلوك الرحمة قال ربنا: "وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلقَلبِ لَٱنفَضُّواْ مِن حَولِكَ" فليانة القلب تكون بسلوك الرحمة وسلوك الرحمة يستثمر بذكر الرحمن قال ربنا: " أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدرَهُۥ لِلإِسلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُور مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيل لِّلقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكرِ ٱللَّهِ أُوْلَٰئِكَ فِي ضَلَٰل مُّبِينٍ" فعلامة قسوة في هذا الآية "الغفلة عن ذكر الله" ومقام صاحبه "فِي ضَلَٰل مُّبِينٍ" وعقوبة صاحبه "فَوَيل" ونكتفي بإعراب العقوبة على الأس "ويل": فمن غفل عن ذكر الله (بما سبق التنبيه له) يقسو قلبه فيضل صاحبه ويتوه ويبتعد عن كل هداية، فتنكسر فيه انوار "ويل" على مستوى وظائف أعضائه: فتهيج نفسه وتطلب كل ما تراه (حرف الواو)، وتغيب فيه حاسة الخوف من الله تعالى فلا يبقى فيه حس المراقبة (حرف الياء)، وتغيب فيه توجهات العلم وإن كان يحفظ كل المتون (حرف اللام)..

هذا بحث إحاطي لملابسات ظلمة قسوة القلب، أما لإعراب الظلمة فنأخذ قياسا من كلمة "قست"من قوله تعالى: " ثُمَّ قَسَت قُلُوبُكُم مِّن بَعدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسوَة".. فالقاف في قسوة القلب لها طمس البصيرة، والسين له من الظلمات الكبر والعلو، والتاء لها طمس الحواس الظاهرة (فافهم واختبر)..

ونريد كالعادة التركير بالإعراب على الحرف الأول من الكلمة وتأثيره على وظائف الأعضاء وهنا هو "القاف" فنقول:

القاف: له من الأنوار: البصيرة.. (وفي اللغة معناها الفطنة واللب والنهى والنهبة...) ومن الظلم: طمس البصيرة.. وللبحث أعمق في معنى الكلمة لا يمكن إلا أن يكون في مصدر الكلمة وهو كتاب الله تعالى، وقد وردت هذه مرتين قال ربنا: " قُل هَٰذِهِۦ سَبِيلِي أَدعُواْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي" وهذا إنما يدل على أن الدعوة إلى الله تعالى لا بد أن تكون على بصيرة وبيّنة من الأمر ويقين (ولا تكون على المصالح الضيقة أو ما تهوى الأنفس) وقال ربنا: " بَلِ ٱلإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفسِهِۦ بَصِيرَة وَلَو أَلقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ ".. فهذه البصيرة، بمثابة هذا المنبه البيولوجي الذي جعله الله في باطن الإنسان، فالذي يكذب أو يضل، بإمكانه أن يضلل غيره أو يدافع على فعله أمام الآخرين أو يبرره أمام المعارضين، ولكنه بينه وبين نفسه يعرفه تمام المعرفة أنه الكذب نفسه أو الضلالة عينها وأنه فعله ولا يكون له أي شك أو ريب في أنه لم يفعله أو لم يقترفه.. "فهذه هي البصيرة"

فأول البصيرة هو ما تحققه هذه القراءة اليقينية بأجنحة "الفطرة الثابتة" وإن لم يكن ملتزم بكل أشراطها، ويكون لها إيقاع ووقع على نفس الإنسان، وهي إن شئت قلت هي قراءة روحية لأصل الفعل، لها مسار تشخيصي وخريطة بيانية على وقع الأقوال والأفعال، وحسن التعامل معها يظهرها ويجهر بها (فتثمر مقومات البصيرة وتعبد قنواتها بين الروح والقلب، فيصير صوتها مؤثر "تلك البصيرة")، وتجاهلها بإبراز الباطل يضعف صوتها ويخفت نورها (فيقع عليها التعتيم ويطمس صوتها) وذلك طمس البصيرة..

والبصيرة نور من أنوار رسول الله ﷺ وله حرف القاف، وللبصيرة من أعضاء الجسد القلب الباطن من حيث الاستمداد، لأنه يستمد حقيقة المعلومة من الروح عندما تسكن في الذات بالرضا والقبول والمحبة، فتمد باقي الجسد بالدقائق والرقائق والحقائق.. وللبصيرة مقومات والناس فيها على درجات.. كما أن طمس البصيرة متوقف على إهمال صوتها وإسناد ركنها قال ربنا: " فَإِنَّهَا لَا تَعمَى ٱلأَبصَٰرُ وَلَٰكِن تَعمَى ٱلقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ "

على العموم حرف القاف قلبي بامتياز، وأنواره محفزة للبصيرة بكل إعجاز.. وغياب أنوار القاف على القلب موقعته في الطمس بلا ريب، وفاتحة على الجسد ظلم ونقم وأمراض وأعراض، تتبع أنواع وأشكال الظلم، إن كانت في ظلم الفكر فيصاب بها العقل ومحيطه، أو الحس فيصاب بها القلب وقصده، أو الحواس فيصاب بها السمع والبصر أو باقي الجسد وانظر إلى قوله تعالى في البأس المترتب عليه قال ربنا:" فَلَولَا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ " فقسوة القلب موجبة للبأس بأنواعه، وهي كذلك مانعة من التضرع والرجوع إلى الحق، ولا حصانة لها من هوى النفس وكيد الشيطان... فيكون بالقصد فيما فيه وقع التقصير (وعلى أهل التخصص أن يختبروا ما ذكر، وعلى الله قصد السبيل)

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire