لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.
قلت: الشهوة إذا تمكنت من القلب صعب علاجها، فلا يمكن خروجها في العادة إلا بوارد قهري جلالي أو جمالي، فالوارد الجلالي هو خوف مزعج، فيزعجك عن شهوتك و يخرجك من وطنك و أهلك، و الوارد الجمالي هو شوق مقلق، فيقلقك عن مراداتك و حظوظك، فينسيك نفسك و يؤنسك بربك، و لأجل صعوبة هذا المرض كان أشد حجابا عن الله العلماء، ثم العباد ثم الزهاد، لأن هذه الشهوة خفية، و صاحبها أضله الله على علم: ( فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) أي أضلهم على طريق الخصوص و بقوا في طريق العموم، أما العلماء الظاهريون فهم يعتقدون أن لا فضيلة فوق علمهم، حتى إني سمعت من بعضهم يقول: إن مقام الإحسان هو مقامهم، الذي فيه العمل بظاهر الكتاب و السنة و لا مقام فوق ذلك، فكيف يمكن إخراج هذا إلا بعناية سابقة.
و أما العباد و الزهاد فهم يقولون أيضا: هذه غاية المحبة و الطاعة و يزيدهم بعدا ما يرونه من الكرامات الحسية، فيزدادون حجابا و تمكنا في حالهم.
و أما العوام و أهل الغفلة فهم أقرب الناس إلى الانقياد و النفوذ إلى ربهم، و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( أكثر أهل الجنة البلــه) أي المغفلون، و مما يدلك على الشهوة القلبية أصعب من الشهوة النفسية قصة آدم و الشيطان، فإن آدم عليه السلام كانت شهوته في بطنه فتداركه الله بعنايته، و الشيطان كانت شهوته في قلبه، قال أنا خير منه، فطرد إلى يوم القيامة.
ثم اعلم أن الخوف على قسمين، خوف العوام و خوف الخواص.
فخوف العوام من العقاب و العذاب، و خوف الخواص من القطيعة و الحجاب.
و الشوق أيضا على قسمين: شوق العوام للحور و القصور، و شوق الخواص للشهود و الحضور، فشوق العوام لنعيم الأشباح، و شوق الخواص لنعيم الأرواح، و شوق العوام ناشئ عن قوله تعالى: ( أعد الله للمؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها و مساكن طيبة في جنات عدن)التوبة72، و شوق الخواص ناشئ عن قوله تعالى:( و رضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم) التوبة72، جعلنا الله من أعظمهم قدرا و أكملهم محلا و فضلا آمين بمنه و كرمه.
فإذا دخل الخوف أو الشوق إلى القلب أخرج كل ما فيه من الأغيار و ملئ بالمعارف و الأنوار، فحينئذ تخلص الأعمال و تزكوا الأحوال و يقبل عليه ذووا العظمة و الجلال، كما أبان ذلك بقوله:
0 Commentaire(s)